[مواعظ جليلة في التحذير من الدنيا والترغيب في الآخرة]
  والاعتقاد هو علم يسكن إليه القلب، لو لم يقع شرع لوجب؛ لدفع ضرر الشك، وباقي ذلك مُوَسَّع لنا؛ نتناول ما أمكننا مما حَلَّ لنا من الطيبات والمشتهيات، ولم يُحرِّم علينا شيئاً إلا وقد أحَلَّ لنا ما يَرْجُح به ويزيد عليه في الطيب واللذة، ومع ذلك نِعَمُه العاجلة واصلة إلينا بما لو عملنا أضعاف عملنا لتحصيله؛ لهان ذلك في جنبه، وإذا كان العمال المشهورون بالانقطاع في الخِدَم قد تجرَّدُوا ليلَهم ونهارَهم في الأعمال الشاقة لتحصيل قوتِ أيامٍ قليلة، وحَسُنَ ذلك عندهم، ولم ينهَهُم عنه العقل، فلِمَ لا نجتهدُ بعضَ يومنا وليلتنا لتحصيل متاعِ مدَّةٍ طويلة في نِعَمٍ جليلة، وخيرات جزيلة، نعم المراتب التي يهون فيها المطالب.
  في الحديث عن النبي ÷: «إنَّ أدْنَى أهْلِ الْجنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ لَهُ مِثْلُ مُلْكِ الدُّنْيا عَشْرُ مَرَّات» انظر كم لِمَنْ رُفِعَ عنه مرتبةً أو مرتبتين، فلا إله إلا الله؛ لقد عمَّت الغفلة وغلبت الشِّقْوة؛ إلا على المرحومين المعصومين، جعلنا الله منهم، وإنَّ من أهل الجنة مَنْ يُرَى كالكوكب الدُّرِّي في جوِّ السماء شرفاً وعُلُوّاً، أجل؛ إنَّ هذه المراتِبَ عَلِيَّة.
  قوله #: فَكَأَنْ قَدْ كُشِفَ الْقِنَاعُ فَارْتَفَعَ الإِرْتِيَابُ.
  الكشف نقيض التغطية. والقناع ما يُتقنَّع به أي يتغطى. والارتفاع زوال الشك. والارتياب هو الشك.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # جعل مدة التكليف كأن الأمور عليها قناع لكون مقادير الثواب والعقاب ومستحقي الثواب والعقاب غير مثابين، ولا معاقبين، ولا معرَّفين ما يستحقون مُفَصَّلاً، وكأنك بالموت قد وصل، والحساب قد حصل، فكُشف القناع عند ذلك، فارتفع بمعنى زال وذهب الارتياب، الشك الذي كان في قلوب الشاكِّين والمسوِّفين من المتأوِّلين معناه، فاحزم أيها الغافل من انكشاف القِناع، وزوال الشك، وأنت على حالةٍ تؤديك إلى الندامة في ذلك المقام الذي فاز فيه فائزٌ، وخسر خاسرٌ، وكُلُّ فوز وخسارة دونه مُحال.