الحديث الثامن والعشرون
الحديث الثامن والعشرون
  عَنِ(١) ابْنِ عَبَّاسٍ، قد تقدم الكلام في نسبه، وذكر طرف من حاله، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ÷ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ بَسِيطُ الْأَمَلِ مُتَقَدِّمٌ حُلُولَ الْأَجَلِ، وَالْمَعَادُ مِضْمَارُ الْعَمَلِ، فَمُغْتَبِطٌ بِمَا احْتَقَبَ غَانِمٌ، وَمُسْتَيْئِسٌ بِمَا فَاتَهُ مِنَ الْعَمَلِ نَادِمٌ، أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ، وَالْيَأْسَ غِنًى، وَالْقَنَاعَةَ رَاحَةٌ، وَالْعُزْلَةَ عِبَادَةٌ، وَالْعَمَلَ كَنْزٌ، وَالدُّنْيَا مَعْدِنٌ، وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي مَا مَضَى مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ بِأَهْدَابِ بُرْدِي هَذَا، وَلَمَا بَقِيَ مِنْهَا أَشْبَهُ بِمَا مَضَى مِنَ الْمَاءِ بِالْمَاءِ، وكُلٌّ إِلَى نَفَادٍ وَشِيكٍ، وَزَوَالٍ قَرِيبٍ، فَبَادِرُوا وَأَنْتُمْ فِي مَهَلِ الْأَنْفَاسِ، وَجِدَّةِ الأَحْلَاسِ، قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذُوا بِالْكَظَمِ، فَلَا يُغْنِي النَّدَمُ».
  البسيط فعيل من البسط، وهو الْمَدُّ، وسمي البساط من ذلك، والأمل يبسط لصاحبه بساطاً طويلاً، وهو متقدم على الحلول. والحلول نقيض الرحيل. والحالُّ الواقعُ الواجب. والمعاد ما يرجع إليه الإنسان. والمضمار كان في الأصل تقسيط العلف على الخيل وصنعتها وتسييرها إذا أرادوا السباق بها، ثم كثر ذلك حتى جعلوا الميدان مضماراً، قال شاعرهم:
  مَنْ شَكَّ في جَرْيِ الكُمَيْتِ فَبَيْنَهُ ... فِيهِ وَبَيْنَ يَقِينِهِ الْمِضْمارُ
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن بسيط الأمل لتقدُّمِهِ لحلولِ الأجل رُبَّما اغْتَرَّ فيه المغترُّون فهلكوا، وذلك أنهم يأْمُلُون أملاً بعيداً ثم يَحُلُّ الأجل، ولم يُؤَدُّوا ما يجب عليهم، ولا يخرجوا من عهدة ما يلزمهم، فتقع عثرة لا تُقالُ، وإذا رجع العبادُ إلى المعاد كان ثَمَّ مضمار العمل، فمِنْ سابقٍ نجا، ومِنْ مُقَصِّرٍ هوى فيمن هوى، وجثا فيمن جثا، فغرق في بحر الضلال، وكبا(٢) في ميدان السؤال.
(١) قال السيد الشريف: وحدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا العباس بن محمد عن محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس ... الحديث.
(٢) كَبَا كَبْواً وكُبُوًّا: انْكَبَّ على وَجْهِه، القاموس المحيط (ص: ١٣٢٧).