حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بعض أدلة عدم الخروج من النار]

صفحة 327 - الجزء 1

  عَلَامَ نَزَلْتُمُ مِنْ غَيْرِ بُؤْسٍ ... وَلَا ضَرَّاءَ مَنْزلَةَ الحَميلِ⁣(⁣١)

  وإنما يقال لِمَا كان على الظهر حِمْلاً، ولِمَا كان في البطن حَمْلاً بالفتح للفرق لا غير، وإلا فأصله الإقلال كما ذكرت لك. والاستبطاء والاستراثة معناه واحد، وهو كثرة انتظار ما يراد وصوله. والرزق قد قدمنا معناه. وفضل الله عطاؤه ومَنُّه. والمعصية قد تقدم الكلام فيها. النَّيل هو الوصول، وإدراك ما عند الله هاهنا ثوابُه في الآخرة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن كثيراً من العاصين قد شافهونا مراراً، وحاورونا أسفاراً أنه لا يحملهم على المعصية إلا الفقر واستبطاء الرزق، وأنهم لو عُجِّل الرزق لما عصوا بزعمهم، وهذا منهم تَوَهُّمُ جهلٍ مضاف إلى عصيانهم، وبهتان من أنواع طغيانهم؛ لأن الله لو علم مصلحتهم في الغنى لأغناهم، فالواجب على العبد أن يكون في حال انتظار الرزق مستشعراً لخوف الرب سبحانه، فإنْ عجّل رزقه شكر، وإنْ أخّر صبر، ولا يبادر بالمعصية، فإن الصائر إليه ليس برزقٍ له والحال هذه، فإن الثواب الذي عند الله سبحانه - وهو أجل مطلوب - لا ينال إلا بطاعته، فكيف ينبغي للعاقل أن يُفَوِّتَ على نفسه الخلود في جنات النعيم بناقةٍ يشْتَلُّها، أو شاة يسْتَلُّها⁣(⁣٢)؛ وإن جعلها إبلاً وشاءً فما عسى أن يكون نفعها، أو ذهباً وفضة، وكنوزاً مُكنَّزة! فكم يكون بقاؤها ومبلغ غنائها؟! لا خير إلا غنى الآخرة، ففيه فليرغب الراغبون، وله فليتجرد الطالبون.

  قوله #: أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ رِزْقاً هُوَ يَأْتِيهِ لَا مَحَالَةَ، فَمَنْ رَضِيَ بِهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ فَوَسِعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ فَلَمْ يَسَعْهُ، وَإِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الرَّجُلَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ.

  السَّعة نقيض الضيق. والبركة الدوام. والأجل هو الوقت المضروب لمفارقة الروح للجسد. فلو صُدِدْنا عنه لَحِقَنَا؛ كذلك الرّزق.


= إِلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَكَانَ الكُمَيْتُ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَعْرِفُ بَرَكَةَ دُعَائِهِ، انتهى المنقول من كلام الذهبي. (انظر سير أعلام النبلاء ج ٥/ ٣٨٨) ذكر ذلك الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # في كتاب عيون المختار، وذكر قصته مع علي بن الحسين وعبد الله الكامل @.

(١) الحَمِيلُ: الذي يُؤْتَى به من بَلَدِهِ غريباً، والحَمِيلُ: الدَّعِيُّ، تمت ضياء، هامش (أ). قال الجَوْهَري: الحَمِيلُ: الذي يُحْمَلُ من بَلَدِه صغيراً ولم يولَدْ في الإسلام. والحَميلُ: ما حَمَلَهُ السيْلُ من الغُثاء. والحَميلُ: الكفيلُ. والحَميلُ: الدَعِيُّ، انتهى (الصحاح: ٤/ ١٦٧٨).

(٢) الشَّلُّ: الطَّرْدُ، والسَّلُّ: السَّرِقَةُ، تمت، هامش (أ).