[دعاء جليل]
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبرنا وهو الصادق في خبره أنَّ لكل امرئٍ رزقاً يأتيه لا محالة، أي لا شك ولا مِرْية، فمن رضي بذلك الرزق - قلَّ أم كثُر - بُورك له فيه، معناه دام وبقي، وصُرِفت عنه الآفات، فوسعه، كفاه وأغناه، وعلم أنه إنْ قلَّ فهو مصلحة له، يعود نفعُها عليه، فرضي بقِلَّته، وإنْ كثُر فهو لمصلحة أريد بها، فصرفه في مصلحته، وقام بشكره. وإن لم يرض برزقه كان ساخطاً على ربه قد قلَّل في عينه كثير ما عنده، وكثَّر في عينه قليل ما عند غيره، فوَجْدُه لا ينقطع، وصدْره لا يتسع، والأرض عليه كِفَّةُ حَابِل(١)، وهو من نفسه في شغل شاغل، لاسيما وقد عقب ذلك ÷ بأن الرزق يطلب العبدَ كما يطلبه أجله. معناه أنَّ الأجل أكره شيء إلى الإنسان، وهو مُعْرِضٌ عنه، كاره لموافاته، وهو يأتيه لا محالة، فكذلك رزقه، ولو كره وصوله إليه، ولم يتعرض لطلبه، ويتعنَّى في سببه؛ لَوَصَلَهُ لا محالة!.
[دعاء جليل]
  فنسأل الله تعالى أن لا يجعلنا من الممسِكين تقتيراً، ولا من المنفقين تبذيراً، ولا من الطالبين إلحاحاً، ولا من السائلين إلحافاً، ولا من المعرِضين عن الارتياد لأعمال دار البقاء، ولا من الساخطين عليه في حكم القضاء، وأن يُرَضّينا بقَسْمِه، ويُمِدَّنا بأنوار علْمِه، ويرْحَضَ دَرَنَ ذنوبنا بتجديد الإنابة، ويوفّقنا للإصابة، وأن يُكَثِّر في أعياننا قليل ما أعطانا في دار الدنيا، ويبارك لنا فيه إلى نهاية حاجتنا القصوى، ولا يُخْرِج عملَنا عن قصد وجهه بِسَلْب التوفيق، ويَمُنَّ علينا بالصدق والتصديق، ولا يجعلنا من الجهال الذين أنكروا حكمته في المفاضلة في الرزق بين عباده، وردُّوا قضاءه تعرضاً للإلحاد في أسمائه، فأوجبوا عليه ما لم يوجب على نفسه، وما لم تَقْضِ الحكمةُ بإيجابه، وغَمِصُوا(٢) وجه الصواب على بصائرهم، ولم يردُّوا العِلم إلى ورثة الكتاب من عترة نبيهم ÷، الذين هم سفن نجاتهم في بحار الهلكات، وبغوامض علومهم تُحَلُّ
(١) هي شِباك الصَّائِدِ وحِبالَتُه كما مَرَّ، وقال في هامش الأصل: كِفَّة: للمستدير، وكُفَّة: للمستطيل، ا. هـ.
وقال ابن الأثير في النهاية (٤/ ١٩١): كُفَّة كلَّ شَيْءٍ بِالضَّمِّ: طُرَّتُه وَحَاشِيَتُهُ. وكلُّ مُسْتَطِيل: كُفَّة، كَكُفَّةِ الثَّوب. وكلُّ مُسْتَديرٍ: كِفَّة، بِالْكَسْرِ، كَكِفَّة المِيزان، ا. هـ.
(٢) غَمصَهُ، كضَرَبَ وسَمِعَ وفَرحَ: احْتَقَرَهُ، كاغْتَمَصَهُ، وعابَهُ، وتَهَاوَنَ بِحَقِّهِ، والنِّعْمَةَ: لَمْ يَشْكُرْهَا. (القاموس: ٦٢٥).