حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[صنيع بني أمية وبني العباس بأهل البيت وذكر محبس الهاشمية]

صفحة 342 - الجزء 1

  والأهوال العظام: هي خروج الدابة، ويأجوج ومأجوج، ففي الحديث: «إنَّ النَّاسَ يَغْرسُونَ بَعْدَهُمْ، وَيَزْرَعُونَ، وَيَأْكُلُونَ، وَيَنْسَوْنَ مَا يُوعَدُونَ» والزمان الصعب هو زمان هاتين الفئتين، وهم الظَّلَمَةُ عندنا، لأنَّ مَنْ سواهم لا يُعتد به، ولأنه قد ذكرهم بالملك، وهم الذين جعلوا الخلافة مُلكاً، وذلك خلاف سيرة رسول الله ÷ وأصحابِهِ من بعده؛ لقد كانوا يطلبون لها الأفضل، وإن اخطأوا في الاختيار عندنا، فلم يخطئوا في الطلب، ولقد قيل لعمر: لو أوصيت إلى ولدك عبدِ الله بالخلافة - وعبدُ الله من قد عرفه الناس - فقال: لا أستجيز ذلك فيما بيني وبين ربي، إنَّ عبد الله لم يُحْسِن طلاق امرأته؛ فكيف يلي أمر هذه الأُمَّة؟! وجعلها شورى في ستة نفر، ولقد تملكوا أشد التملك، وتجبروا أشد التجبر، وجعلها الوالد لولده تركةً من غير عقد ولا دعوة، وأعانهم على ذلك الفسقة المتصدرون في صدور المجالس بالقهر والغلبة من غير استحقاق لذلك، واضطهدوا الآمرون بالمعروف من أهل بيت محمد عليه وعليهم أفضل السلام حتى ذَلُّوا، وضِيمَ الناهون منهم عن المنكر حتى قلُّوا، وصاروا بين طريد وشريد، وأسير وقتيل.

[صنيع بني أمية وبني العباس بأهل البيت وذكر محبس الهاشمية]

  هذا الحسين بن علي وأهل بيته $، وزيد بن علي وولده يحيى بن زيد فرائس بني أمية، وهذا محمد بن عبد الله وأخواه إبراهيم ويحيى، والحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن إبراهيم في طوائف من أهل بيت محمد $ حصائد سيوف بني العباس، ولم نذكر إلا الأئمة السابقين، والعيون المنتجبين، الذين يشهد لهم بالفضل مَنْ قَتلهم⁣(⁣١)، فأما أرباب السجون والسموم والغِيلة فكثير جداً.

  هذا أولاد الحسن بن الحسن $ على اشتهار فضلهم، وقرب عهدهم بالنبي ÷، عبد الله، والحسن، وإبراهيم، وداوود أولاد الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - وأم الثلاثة غير داوود فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب - وبنوهم محمد ويعقوب وإسحاق أولاد إبراهيم بن الحسن، وعلي وعبد الله والعباس أولاد الحسن بن الحسن بن الحسن ¤، ماتوا في سجن أبي جعفر المنصور، إلا محمد بن إبراهيم فإنه دفن حيّاً، وما نعلم تحت أديم السماء أفضل منهم ولا أكمل، ولقد كان إذا قيل: من أكرم الناس؟ قيل: عبد الله بن الحسن. فإذا قيل: من أعلم الناس؟ قيل: عبد الله بن الحسن. فإذا قيل: من أصبح الناس؟ قيل:


(١) في النسخة (أ) ونسخة أخرى: مَنْ قَبْلَهُمْ.