حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الرابع والثلاثون

صفحة 352 - الجزء 1

  المحترزون، ويحترس المحترسون، وهو أنهم كانوا إذا لاح لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه، ولم يتمالكوا عنه رغبةً فيه، وهَلَعاً عليه، فكان ذلك سبب هلاكهم.

  فعليكم أيها الإخوان بالاحتراز من مثل حالهم، والحزم عن المآل إلى حال مآلهم، فللعاقل بغيره عظة، وأمور المعاملات والمقاومات أكثرها تجربة.

  وهذا أمرٌ خارج من الناصح المجرِّب على أبلغ الوجوه وأوفاها، إذْ هو خبر الصادق في خبره، الناصح في دِلالته وإرشاده، فما خيرُ وَثْبَةٍ انقلبت عثرةً وكَبَّةً⁣(⁣١)؟! وما قدْرُ ذلك اللائحِ الذي ضيَّع أمثال الجبال حسنات عند من لا تضيع ودائعه، ولا تنقطع عن العباد صنائعه؟! فانظروها رحمكم الله بعين القِلَّة، واضربوها بسوط الذِّلَّة، وما لاح منها فسَمُّوه الْخُلَّب⁣(⁣٢)، وما هبَّ من نسيمها فادعوه القُلَّب⁣(⁣٣)، وذلِّلُوها استصغاراً، وارفضوها احتقاراً.

  جعلنا الله وإياكم ممن يُسرع الوثب عنها، ويُبطئ بالسير إليها، فأمَّا السعي والوثب إليها فنعوذ بالله من الْحَين⁣(⁣٤) القاتل، والحتف العاجل، والصلاة على محمد وآله.


(١) الكَبَّةُ، ويُضَمُّ: الدَّفْعَةُ في القِتالِ والجَرْيِ، والحَمْلَةُ في الحَرْبِ، والزِّحامُ، وإفْلاتُ الخَيْلِ، والصَدْمَةُ بينَ الجَبَلْيْنِ، ومن الشِّتاءِ: شِدَّتُه ودَفْعَتُهُ، والرَّمْيُ في الهُوَّةِ. (القاموس: ١٢٨).

(٢) الخُلَّبُ: السَّحابُ لا مَطَرَ فيه. والبَرْقُ الخُلَّبُ، وبَرْقُ الخُلَّبِ، وبَرْقٌ خُلَّبٌ: المُطْمِعُ المُخْلِفُ، (القاموس: ٨١).

(٣) الْقُلَّبُ: كَثِيرُ التَّقَلُّبِ، هامش الأصل، قال في مجمل اللغة (ص ٧٣٠): الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ: الَّذِي يُقَلِّبُ الْأُمُورَ وَيَحْتَالُ لَهَا، ا. هـ.

(٤) الحَيْنُ (بالفتح): الْهلاكُ، والْمِحْنَةُ. (القاموس: ١١٩٢).