الحديث الرابع والثلاثون
  قوله #: لَيَجِيئَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامةِ لَهُمْ حَسَنَاتٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَقِيلَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَوَمُصَلُّونَ كَانُوا؟ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّون وَيَصُومُونَ، وَيَأْخُذُونَ وَهْناً مِنَ اللَّيْلِ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا لَاحَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا وَثَبُوا عَلَيْهِ.
  المجيء: نقيض الذهاب. أقوام: جماعات. يوم القيامة: هو يوم الحساب، سُمي قيامةً لقيام الناس فيه إلى الله، والهاء للمبالغة. الحسنات: نقيض السيئات. وأمثالٌ: أشباهٌ. الجبالُ معروفة. والأمْرُ هاهنا التوجيه بالشيء. يا نبي الله، يا رسول الله خطاب أصحابه له كما أدَّبهم الله، كانوا يقولون: يا نبي الله، أي يا رفيع الله، أضافوه إلى الله تعظيماً. والنبي أُخذ من النبوة، وجفاة الأعراب يخاطبونه باسمه. والصلاة: هي أفعالٌ وأذكارٌ مخصوصة بأحكام وشروط مخصوصة، وفي أصل اللغة: الدعاء. والصوم: الإمساك عن الطعام والشراب من الليل إلى الليل مع قصد القربة، وفي أصل اللغة: الإمساك، قال الشاعر:
  خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَخْيْلٌ تَعْلُكُ اللُّجُما
  والوَهْنُ والْمَوْهِنُ من الليل هو قطعة منه. ولاحَ ظَهَرَ وبدا، وأكثر ما يستعمل في الشيء الصقيل، والأصل ما قدمنا. والوَثْبُ معروف، وهو أكثر ما يدخل تحت مقدور الإنسان في العجل والسرعة لأخذ الخير، والفرار من الشر إنما هو السير ثم السعي ثم الوثب.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ هذا عائد إلى نهيه # من الرغبة في الدنيا، وبيَّن لنا ما لم نكن نعلم مما أعْلَمَهُ به ربه أنه يجيء يوم القيامة أقوامٌ قد اجتهدوا في طاعة الله سبحانه في هذه الدنيا، وانقطعوا إليه، وبذلوا النفائس في رضاه، وصبروا على العظائم في حقِّه، حتى صارت لهم حسنات كبار كأمثال الجبال، ولا نعلم فيما نشاهده أكبر من الجبل ولا أعظم، فمثَّل لنا بما نعلم، فيُؤْمر بهم إلى النار، فتوَهَّمَ السامع أنهم لا يُصَلُّون، وهذا أيضاً تنبيه على عظم الصلاة، وأن أصحابه قد كانوا علموا منه أنَّ الأعمال لا تُقْبل إلا بالصلاة، فأضاف لهم إلى الصلاة الصيامَ، وأَخْذَ وَهْنٍ من الليل نافلةً وذِكْراً؛ خَبَراً عن حَقٍّ، ومبالغةً في وَصْفٍ، ولم يكن ليدع الأمرَ ملتبساً، وكيف وهو ÷ بُعِثَ مبيِّناً وهادياً ومرشداً، فأوضح لهم من حيث أُتِيَ القوم، ليحترز منه