[البلوى والابتلاء وأنواع الابتلاءات]
  الحمى لتحرق يدي من فوق الثوب، فقلت: يا رسول الله، إنها عليك شديدة، فقال: «إنَّا كَذلكَ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ». إلى غير ذلك من الآثار.
  وإن جُعلت البلوى بالأعمال فهي تكاليف العقل والشرع الشاقة كالصلاة والصيام والحج والجهاد فلا يستمر هذا التأويل في قوله: وَيَبْتَلِي لَيَجْزِي.
  فأما في(١) قوله: فَيَأْخُذُ لِيُعْطِي، فلا يأتي عليه لأنه أخذ لشيء حاصل معنا وليس إلا ما ذكرنا من النعم كالعافية والحياة والأموال والأولاد، فتفهَّمْ ما ذكرتُ لك، واجعل بصرك رائد عقلك، وعقلك قائد بصرك، فإنَّ من جعل عقله قائدَ بصره اهتدى، ومن جعل بصره قائد عقله ضَلَّ، وإذا لم تفهم لم تَعِبْ.
  قوله #: إِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ، وَشِيكَةُ الْانْقِلَابِ، فَاحْذَرُوا حَلَاوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا.
  الذهاب: الصدور. والانقلاب الرجوع. والحذر نقيض الاطمئنان والسكون. والرضاع نقيض الفطام، وأصله في الصبي يرضيه الرضاع ويسرُّه، ويغضبه الفطام ويغمُّه. والحلاوة ضد المرارة. والهجران نقيض الوصل. واللذيذ نقيض الكريه. والآجل نقيض العاجل.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبر وخبره الحق وقد علمنا صدق خبره ضرورة بالمشاهدة. إنَّها - الهاء عائدة إلى الدنيا - لسريعة الذهاب: المضي والبطلان والتلاشي، وشيكة الانقلاب لِتَحَوُّل أحولها وكثرة مُحالها، مسَّها لَيِّنٌ، ولسعُها غير هَيّن، فهي تنقلب انقلاب الحية، وتلدغ لدغ الكية، فأيُّ انقلاب أوخم من انقلابها عاقبةً، وأعظم نائبة، تضرب بجِران(٢) الذَّلول ثم تصول صَوَلان الفحول.
(١) لفظة (في) زيادة من نسخة.
(٢) الجِرانُ: بَاطِنُ العُنُق، وَقِيلَ: مُقدَّم الْعُنُقِ مِنْ مَذْبَحِ الْبَعِيرِ إِلَى مَنْحَرِهِ، (لسان العرب ١٣/ ٨٦).