حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[البلوى والابتلاء وأنواع الابتلاءات]

صفحة 355 - الجزء 1

  وكذلك إذا ابتلانا بلوى هيِّنةً بالانقطاع وإن كانت شديدة في الحال ليجزينا بما لو خُيِّرْنا ومعنا جميع العقلاء لاخترنا تلك البلوى لمكان ذلك الجزاء، فإنَّ هذه البلية نعمة لا مِرْية في ذلك. وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # في ذلك شعراً وهو:

  عَطِيَّتُهُ إِذَا أعْطَى سُرُورٌ⁣(⁣١) ... وَإنْ سَلَبَ الَّذِي أعْطَى أثَابَا

  فَأَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أجَلُّ قَدْراً ... وَأَعْظَمُ في مَواقِعِها إيَابَا

  أَنِعْمَتُهُ الَّتِي أهْدَتْ سُرُوراً ... أَمِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَخَرَتْ ثَوابَا

  وروي فيها بيت رابع وهو:

  بَلِ الْأُخْرَى وإنْ نَزَلَتْ بِكُرْهٍ ... أَعَمَّ لِصَابِرٍ فيها احْتِسَابَا

  فقد علمت أن معنى كلامنا مأخوذ من قوله #، وهو حق لا شك فيه؛ لأنه معصوم، فإنْ سَلَبَ سبحانه منَّا عافيةً أو حياةً أو ولداً أو مالاً؛ وأتانا بما يوفي عليه فهو محسِنٌ والحال هذه، ألا ترى أنا نستحسن مِنْ ولي اليتيم أن يأخُذ له ما يساوي ديناراً ويُعِيضَه دينارين، وإن أخذه بغير مراضاة منه، ونحن معه سبحانه كاليتيم مع وليه، لأنه سيدنا ومولانا، فإنْ أعطى عن الدينار عشرة فلا كلام في تناهي الإنعام، ومع ذلك فإنه لا يبتلينا ببلية لمجرد العِوض، ولكن لا بد أن يكون في ذلك اعتبارٌ لنا أو لغيرنا، وتقريبٌ إلى دار الآخرة، وتزهيدٌ في الدنيا.

  وقد رأينا الناس إذا أصابتهم الآفات والبلايا فزعوا إلى الله تعالى وتابوا، وإن تمادوا تاب غيرهم، بخلاف ما لو دامت عليهم النعمة وتمت العافية، ولا⁣(⁣٢) يدفع ذلك الأمر إلا من كابر عقله. وقد قال النبي ÷: «إنَّ الْجَسَدَ إذَا عُوفِي أَشِرَ وبَطِرَ، وإذا اعْتَلَّ ذَهَبَ ذَلك عَنْهُ» وقال #: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أنَّ أَجْسَادَهُمْ كَانَتْ تُقَرَّضُ بالْمَقَارِيضِ فِي الدُّنْيا لِمَا يَرَوْنَ مِنَ الثَّوَابِ لِأَهْلِ الْكَفَّارَاتِ وَالْبَلَايَا» وفي الحديث أن الحمى أصابته؛ فدخل عليه بعض أصحابه يعوده - أظنه أبا أيوب | - قال فلمسته وإنَّ


(١) في النسخ: سروراً، لكن الألف مشطوب عليه في الأصل وفي بعضها، وقد تقدمت في الحديث السادس.

(٢) في الأصل وفي نسخة أخرى: فلا.