حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث السادس والثلاثون

صفحة 358 - الجزء 1

الحديث السادس والثلاثون

  عَنْ⁣(⁣١) أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وقد تقدم ذكره نسباً وحالاً، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ÷: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاسْعَوا فِي مَرْضَاتِهِ، وَأَيْقِنُوا مِنَ الدُّنْيَا بِالْفَنَاءِ، وَمِنَ الْآخِرَةِ بِالْبَقَاءِ، وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَأَنَّكُمْ بِالدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ، وَبِالْآخِرَةِ لَمْ تَزَلْ، أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ مَنْ فِي الدُّنْيَا ضَيْفٌ وَمَا فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ، وَالضَّيْفُ مُرْتَحِلٌ وَالْعَارِيَّةُ مَرْدُودَةٌ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً نَظَرَ لِنَفْسِهِ، وَمَهَّدَ لِرَمْسِهِ، مَا دَامَ رَسَنُهُ مُرْخَى، وَحَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ مُلْقَى، قَبْلَ أَنْ يَنْفَذَ أَجَلُهُ، فَيَنْقَطِعَ عَمَلُهُ».

  الاتّقاء: هو تلقي سخطه بحواجز منيعة. وحقّ تُقاته واجب تقاته، لأنَّ تُقاة غيره من جهةٍ دون جهة، لأنَّ غيره يكون في جهة دون جهة، وفي الظاهر دون الباطن، لأنه لا يعلم الباطنَ، وهو يُتّقى من كل مكان ومن الباطن كما يُتقى من الظاهر لأنَّ عِلْمه بالجميع واحد. وباقي الألفاظ قد تقدم معناه لغة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمرنا أن نتقي الله سبحانه حقَّ تقاته، وأن نسعى في مرضاته، وحقُّ تقاته: أن ندع مراد نفوسنا لمراده ونُعادي وَليَّنا في حَقّه، ونوالي عدونا لوجهه، ونخافه في جميع حالاتنا حتى يكون خوفُنا منه وحياؤنا عند انفرادنا وفي حال خلواتنا كما نستحي منه بين ظهراني عباده، حتى أنَّ الغِطاء لو انكشف ما قلنا ليت أنا كنا عملنا كذا وكذا، وهذا ما نرى في حق تقاته، وهو قليل.


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا علي بن شعيب البزار بالرقة قال حدثنا محمد من منصور قال حدثنا أبو سلمة المنقري قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك عن جده أنس بن مالك ... الحديث.