الحديث السابع والثلاثون
  يَنَالُهَا إلَّا بِشَيْءٍ مِنَ الْبَلَايَا تُصِيبُهُ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ وَمَا بَلَغَ تِلْكَ الدَّرَجَةَ، فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَهَا(١)» فإذاً معنى الحديث أنْ يسهلَ عليك ما بعد الموت وهو لقاء منكر ونكير، ومساءلتهما في القبر، وما يُشاهَدُ هنالك من الأمور الكبار، وكذلك البعث وهوله وروعه وزلازله ومواقعه، هذا هو الذي يراد أن يَسْهُل على العباد، وأمر # بتقديم الإنسان لمالِهِ ليَسُرَّه اللَّحاق به، وذلك ظاهر؛ لأن الإنسان يحبّ ماله حبّاً شديداً، ولهذا قد نبَّهَ الله سبحانه في إيجاب الجهاد به في قوله: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: ٤١] فإذا قدّمه الإنسان أمامه على معنى أنْ يُنفقه في سبيل الله سبحانه وفي وجوه البر ومصالح الإسلام ونفع المسلمين صار أمامه عند الله تعالى، لا فوات على شيء منه، وسَرَّ الإنسانَ اللحاقُ به؛ لأنك إذا أمرت بمالك - فيما نشاهده - إلى بلد صَعُبَ عليك التخلُّفُ بعده، وسرَّك اللحاقُ به لا محالة، وإذا سِرْتَ إليه كنت مسروراً لأنك تَقْدَمُ على محبوبك وهو مالُك، فما أنفعها من موعظةٍ إنْ وَجَدَتْ قابلاً، وأصلَحَها مِنْ تذكرةٍ إنْ وافقَتْ عاملاً.
  وأمر # بالقنوع(٢) بما أُوتيَهُ الإنسان من فضل الله سبحانه لِيَخِفَّ عليه الحساب؛ لأنه إذا لم يقنع بما آتاه الله طلب سواه، وإذا طلب سواه وقع في المحظور، وإذا وقع في المحظور شد عليه الحساب، وصَعُب الخطب، وعَظُم الأمر، وماذا بعد الحق إلا الضلال، وما بعد الحلال إلا الحرام، فمن قَنِعَ بما قسم الله له ولم يتجاوزه إلى غيره وأدَّى حقَّ الله منه وحقَّ الله فيه خَفَّ عليه الحساب.
  قوله #: وَلَا تَتَشَاغَلْ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْكَ بِمَا قَدْ ضُمِنَ لَكَ، إِنَّهُ لَيْسَ بِفَايِتِكَ مَا قُسِمَ لَكَ، وَلَسْتَ بِلَاحِقٍ مَا زُوِيَ عَنْكَ.
  التشاغل هو التعلل بالأشغال من غير حقيقة لذلك. والفرض والإيجاب واحدٌ. والضمانة الْتِزام الأمر. والفواتُ نقيض الإدراك. واللاحق المدرِك. وزُوِيَ مُنِعَ وصُرِفَ.
(١) هو في مسند الإمام زيد وأمالي أحمد بن عيسى، باختلاف لفظة: (فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) إلى: (حَتَّى يَنْزِلَ بِهِ المَوْتُ).
(٢) قَنَعَ يَقْنَعُ قُنوعاً فهو قانعٌ: إذا سأل، وقَنِعَ بكسر النون بما أعطاه الله قناعةً: أي رضي فهو قَنِعٌ، وعن بعضهم القناعة والقنوع يستعملان في الرضى والسؤال معًا وهما من الأضداد، تمت ضياء، هامش (أ).