حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث السابع والثلاثون

صفحة 364 - الجزء 1

  صاحب رسول الله ÷، فتواثبوا وبكوا عليه وجهزوه وصلوا عليه وقبروه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ÷ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُوصِيه: «أَقْلِلْ مِنَ الشَّهَوَاتِ يَسْهُلْ عَلَيْكَ الْفَقْرُ، وَأَقْلِلْ مِنَ الذُّنُوبِ يَسْهُلْ عَلَيْكَ الْمَوْتُ، وَقَدِّمْ مَالَكَ أَمَامَكَ يَسُرُّكَ اللَّحَاقُ بِهِ، وَاقْنَعْ بِمَا أُوتِيتَهُ يَخِفَّ عَلَيْكَ الْحِسَابُ، وَلَا تَتَشَاغَلْ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْكَ بِمَا قَدْ ضُمِنَ لَكَ، إِنَّهُ لَيْسَ بِفَايِتِكَ مَا قُسِمَ لَكَ، وَلَسْتَ بِلَاحِقٍ مَا زُوِيَ عَنْكَ، فَلَا تَكُنْ⁣(⁣١) جَاهِداً فِيمَا يُصْبِحُ نَافِداً، وَاسْعَ لِمُلْكٍ لَا زَوَالَ لَهُ، فِي مَنْزِلٍ لَا انْتِقَالَ عَنْهُ».

  الإقلال نقيض الإكثار. والشهوات معروفة، وهي المعاني التي توفِّر الدواعي إلى تناول الشيء، والمراد هاهنا المشتهيات دون الشهوات، إذ الشهوات لا تدخل تحت مقدور العبد فيتعلق النهي بها. والسهولة نقيض الصعوبة. والفقر هو وجود الحاجة وعدم المحتاج إليه. والذنوب هي المعاصي. والموت عَرَضٌ يضاد الحياة. ومال الإنسان معروف. وأمام نقيض خلف. والسرور نقيض الغم. واللَّحَاق والإدراك معناهما واحد. والقنوع هو الرضى في الباطن والظاهر. والحساب قد تقدم⁣(⁣٢).

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه ÷ معلم الخير والهادي إلى الرشد أمر الإنسان عموماً بأن يقلل من الشهوات، يريد # من المشتهيات؛ إذ الشهوات لا تدخل تحت مقدور العبد لأن ذلك لو أمكننا لخلقنا لنفوسنا الشهوة لما نريد تناوله، وقد علمنا خلافه، وأنا نريد تناول الدواء الكريه ونحن لا نشتهيه، ولا يمكننا إيجاد شهوته، فإذاً المراد هاهنا: أقلِلْ من المشتهيات وتناولها بالأثمان يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب وهو يريد نفي الجملة، وإنما أتبع اللفظَ اللفظَ، ومثله كثير في كلامهم، والذنوب هي المعاصي نعوذ بالله منها، وسهولة الموت هَوْنُه، وليس المراد أن يُهَوَّنَ على المؤمن خروج نفسه، فإنا نشاهد أن كثيراً منهم يشدَّدُ عليه خروج نفسه جداً، وقد روينا عن النبي ÷: «إنَّ الْعَبْدَ لَتَكُونُ لَهُ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا


(١) في نسخة أخرى: تك، بحذف النون في تكن.

(٢) تقدم في الحديث الثاني والعشرين عند قوله: «وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا».