حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثامن والثلاثون

صفحة 374 - الجزء 1

  قوله #: أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي يَوْمِ عَمَلٍ لَيْسَ فِيهِ حِسَابٌ، وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا فِي يَوْمِ حِسَابٍ لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ.

  العمل معروف. والحساب مناقشة المتصرفين والبحث عن الأصول والقوانين. ويوشك من المواشكة وهي الإسراع، قال بعضهم في الْمُهلَّبِ بن أبي صُفْرة⁣(⁣١) وقد انهزم يوم دولاب، وهو يوم معروف بينه وبين الخوارج، وثبت ولده المغيرة في أهل الحِفاظ، واعتذر بعضهم للمهلب بأنه إنما خَفَّ لرد المنهزم:

  بِدُولابٍ أَضَعْتَ دِمَاءَ قَوْمِي ... وَطِرْتَ عَلَى مُوَاشِكَةٍ دَرُور

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # بيَّن أنَّا اليوم في يوم العمل والمهَل عن الحساب في التفصيل والجمل، وغداً في يوم حساب ليس فيه عمل، وعجل ليس بعده مَهَل، وما أسرع ما يكون؛ كما بَيَّنه الأمين، وَنَبَّهَ عليه طبيب الدين، صلى الله عليه وآله الطيبين، فإذا تحملنا ذلك شمّرنا تشمير المجتهدين، وعملنا عمل الجادين المنجدين، ولم نضنّ⁣(⁣٢) بالثمين، ولا نركن إلى الظنين فننقلب بحظ غبين⁣(⁣٣)، فاليوم يوم التحصيل، وغداً يوم التفصيل، ولكل واحد من العملين حفَظَةٌ - أعني عمل الخير والشر - تؤدّي ما حَفِظَتْهُ إلى نقَّادٍ بصيرٍ، فما شئت فقدم؛ فأنت لا محالة عليه قادم، إن كان رديّاً قرعت سن النادم، وإن كان جيداً فزت بسهم الغانم، فأصلح حسابك قبل أن تُدْعَى للمحاسبة، وأعدد خطابك قبل مجاثاة المخاطبة، وكن كأنك قد قلت وقد قيل لك، فأصلح عملك وبادر أجلك.


(١) المُهَلَّب بن أَبي صُفْرَة (٧ - ٨٣ هـ) المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سراق الأزدي العتكيّ، أبو سعيد: أمير، بطاش، جواد، ... نشأ بالبصرة، وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر. وولي إمارة البصرة لمصعب بن الزبير. وفقئت عينه بسمرقند. وانتدب لقتال الأزارقة [فرقة من الخوارج] وكانوا قد غلبوا على البلاد، وشرط له أن كل بلد يجليهم عنه يكون له التصرف في خراجه تلك السنة، فأقام يحاربهم تسعة عشر عاماً لقي فيها منهم الأهوال. وأخيراً تم له الظفر بهم فقتل كثيرين وشرد بقيّتهم في البلاد. ثم ولاّه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان، فقدمها سنة ٧٩ هـ ومات فيها ... وأخباره كثيرة، تجدها في شرح النهج وغيره.

(٢) نَضُنّ: نَبْخَل.

(٣) الظَّنينُ: المُتَّهَمُ، والغَبِينُ: هو الْمَغْبُونُ الْمَنْقُوصُ الضَّعِيفُ، وَيَوْمُ التَّغَابُنِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَغْبِنُونَ أَهْلَ النَّارِ، (انظر مختار الصحاح: ٢٢٤).