حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام في مسألة التبني]

صفحة 376 - الجزء 1

  فإذا كان لا يعطي الآخرة إلا من يحب وهي دار القرار ومحل الخلود، وإليها المنقلب والمصير؛ فالواجب على العبد أن يعمل ما يصير به محبوباً عند الله سبحانه ليعطيه الآخرة الباقية التي إليها المعاد وعليها المعول، وشرها هو الشر المخوف، وخيرها هو الخير المرجوّ، كل خير دون خيرها باطل، وكل شر غير شرها زائل، فإن شئت أن تكون محبوباً عند الله سبحانه فتحبب، وإن شئت أن تكون قريباً منه فتقرب، فإنه يحب المتحببين إليه بفعل طاعته، ويقرِّبُ المتقربين إليه بترك معصيته.

  قوله #: وَإِنَّ لِلدُّنْيَا أَبْنَاءً، وَلِلآخِرَةِ أَبْنَاءً، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.

[كلام في مسألة التبني]

  الأبناء أولاد الآباء وذلك ظاهر، والأصل فيه الولادة، وقد كان التبنِّي في الجاهلية أن يأخذ الرجلُ الرجلَ من عَرْضِ القبيلة ثم يدعوه أباً ويدعوه الآخَرُ ابناً، ويتوارثون بذلك ويتناصرون، وكانوا يقولون فلان بن فلان للذي ادعاه، فقال سبحانه: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}⁣[الأحزاب: ٥] أقسط معناه أعدل، وكانوا يدعون زيد بن حارثة | زيد بن محمد حتى نزلت الآية: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ}⁣[الأحزاب: ٤٠] وقد طلبت النواصب في ذلك فرجاً، وأعظمت⁣(⁣١) العباسية والأموية من قبلها على ذلك العطايا الجزيلة، وقد أجمعت الصحابة ومَنْ بعدهم من العلماء ما خلا النواصب على أنَّ الحسن والحسين ابنا رسول الله ÷، في الحديث المرفوع إلى زينب ابنة أبي رافع قالت: جاءت فاطمة & إلى رسول الله ÷ في شَكْوِهِ⁣(⁣٢) الذي توفي فيه فقالت: يا رسول الله؛ هذان ابناك تورِّثهما شيئاً، فقال ÷: «أمَّا الْحَسَنُ فَلَهُ هَيْبَتِي وَسُؤْدُدِي، وَأمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنَّ لَهُ


(١) في النسخة (أ) وفي نسخة أخرى: وأَعْطَتْ.

(٢) في الأصل: (في شكوة مرضه ...) بزيادة لفظة (مرضه)، وفي بقية النسخ كما أثبتناه، ولعلها تفسيرية لشكواه، قال في لسان العرب (١٤/ ٤٣٩): الشَّكْوُ والشَّكْوى والشَّكَاةُ والشَّكَاءُ كُلُّه: المَرَض.