[كلام في مسألة التبني]
  جُرْأَتِي وَجُودِي» ومثل هذا الحديث روي عن صفوان بن سُلَيم(١)، ورواية ابن بريدة(٢) عن أبيه أن الحسن والحسين أقبلا ورسول الله ÷ يخطب على المنبر، وعليهما قميصان وهما يمشيان ويَعْثُران، فنزل النبي ÷ عن المنبر واحتملهما ثم رجع إلى مكانه، ثم قال: «أيُّها النَّاسُ؛ إنَّمَا الْوَلَدُ فِتْنَةٌ، لَقَدْ نَزَلْتُ وَمَا شَعَرْتُ» ولولا جهالة النواصب لم نحتج إلى ذكر شيء من هذا، وفي رواية أبي بَكْرَةَ قال كان رسول الله ÷ يصلي بالناس فجاء الحسن بن علي يَثِبُ على ظهره إذا سجد، فلما فرغ قال: «إنَّ ابْنِي هَذا سَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» قال الحسن البصري فلما ولي ما أهريق في سببه محجمة دم، وأمثال هذا كثير، ووُلِدَ الحسن عامَ أُحُدٍ بعد الوقعة، وبين الحسين وبينه طُهْرٌ واحد.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # بيَّنَ أن للدنيا أبناء يَبَرُونها بِرَّ الوالدين، وللآخرة أبناء يَبَرُونها بِرَّ الوالدين، وأن الواجب على العقلاء أن يكونوا من أبناء الآخرة الذين قاموا بها وبَرُّوها وآثروا رضاها على رضا نفوسهم وحبَّها على حبِّ آبائهم وأمهاتهم، وحُقَّ لها ذلك منهم؛ لأنهم إذا أحبوها حب الوالدين(٣) سعوا لها سعي المشفقين، وأحسنوا إليها إحسان المتقين، فكان همهم صلاح آخرتهم، فربحوا الخلود في دار النعيم والعيش المقيم.
  وإن كان سعيهم للدنيا وبِرُّهم لها فيا لها حسرة ما أطمَّها، ومصيبة ما أهمها، أوْهَمَتْهُمْ أنها بَرَّةٌ، فعقت عقوق الهرة، فلما أكلتهم قَعْصاً وعبْطاً(٤) وخبطتهم بمخالبها خبطاً، أوضحتْ أعذارها،
(١) ترجم له الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # فقال: بضم المهملة، هو أبو عبد الله المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة. قال الإمام المنصور بالله #: هو ممن اشتهر بالقول بالعدل، والتوحيد، وذكره الحاكم في ثقات أهل المدينة. خرج له أئمتنا الأربعة $، والجماعة. ا. هـ. (لوامع الأنوار - ط ٣ - ج ١/ ٧١١).
(٢) هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، كان مولده لثلاث سنين مضين من خلافة عمر بن الخطاب، كان هو وسليمان توأمين، ولى يزيدُ بن المهلب عبدَ الله القضاء بمرو، ومات بها سنة خمس عشرة ومائة، وقبره بجاورسة قرية من قرى مرو، ا. هـ. «مشاهير علماء الأمصار للدارمي» (ص ٢٠٢).
(٣) في النسخة (أ) ونسخة أخرى: الخالدين.
(٤) العَبْطُ: الذَّبْحُ منْ غَيْرِ عِلَّةٍ، والقَعْصُ: أنْ يَقْتُلَهُ مَكَانَهُ، تمت، هامش (أ).