حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأول

صفحة 49 - الجزء 1

  والسدر شجرٌ معروفٌ، يتخذ من ورقه ذَرورٌ تُرحَض به الأبدان فيُنقيها من الأدران، وإنما أراد ÷ طهارته من درن الشرك، واسترسال المشركين في أكل الميتة، وأكل ما ذكر عليه غيرُ الله وهو عندنا بمثابتها، وشرب الخمر، وما شاكل ذلك.

  قَالَ: فَفَعَلْتُ، ثُمَّ عُدْتُّ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ عِظْنَا مَوْعِظَةً نَنْتَفِعُ بِهَا.

  قد تقدم الكلام في معنى الواعظة، والموعظةُ ذكرهُا. والانتفاع هو استعمال المنفعة ومباشرتها، والمنفعة هي اللذة والسرور وما أدى إليهما أو إلى أحدهما، فمعنى قوله: ننتفع بها نعمل لأجلها عملاً يؤدينا إلى المنفعة التي هي ثواب الآخرة، العظيم من كل جانب، الخالص من كل شائب.

  فقال #: «يَا قَيْسُ؛ إِنَّ مَعَ الْعِزِّ ذُلّاً، وَإِنَّ مَعَ الْحَيَاةِ مَوْتاً، وَإِنَّ مَعَ الدُّنْيَا آخِرَةً، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً، وَإِنَّ لِكُلِّ حَسَنَةٍ ثَوَاباً، وَلِكُلِّ سَيِّئَةٍ عِقَاباً، وَإِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً، إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ يَا قَيْسُ مِنْ قَرِينٍ يُدْفَنُ مَعَكَ وَهُوَ حَيٌّ، وَتُدْفَنُ مَعَهُ وَأَنْتَ مَيِّتٌ، فَإِنْ كَانَ كَرِيماً أَكْرَمَكَ، وَإِنْ كَانَ لَئِيماً أَسْلَمَكَ، ثُمَّ لَا يُحْشَرُ إِلَّا مَعَكَ، وَلَا تُبْعَثُ إِلَّا مَعَهُ، وَلَا تُسْأَلُ إِلَّا عَنْهُ، فَلَا تَجْعَلْهُ إِلَّا صَالِحاً، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صَالِحاً لَم تَأْنَسْ إِلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشاً لَمْ تَسْتَوْحِشْ إِلَّا مِنْهُ، وَهُوَ فِعْلُكَ».

  قوله ÷: يَا قَيْسُ، إِنَّ مَعَ الْعِزِّ ذُلّاً.

  أصل العزِّ في اللغة هو القهر والغلبة، ومنه قولهم: من عزَّ بزَّ، المراد بذلك من غلبَ سلبَ، وقال شاعرهم:

  وَعَزَّتِ الشَّمْألُ الرِّياحَ وَقَدْ ... أمْسَى كَمِيعُ الْفَتاةِ مُلْتَفِعَا

  الشمأل ريح الشمال وفيها سبع لغات، وسميت شمألاً لأنها تأتي من شمال البيت زاده الله شرفاً، وهي مناوِحة⁣(⁣١) الجنوب، والجنوب اليمانية وهي تَضرب جَنْبَ البيتِ الأيمنَ، والدَّبُور تأتي من دبره وهي الغربية، والقبول تستقبل بابه وهي الصَّبَا الشرقية، فمعنى قول الشاعر: عزت الشمأل، يريد أن الشمال غلبت الجنوب وظهرت عليها في الهبوب، وذلك يكون في شدة البرد وكلَب الزمان. وكميع الفتاة ضجيعها، يقول أمسى ملتفعاً متدثراً بثيابه لم يهم بشيء من أمرها،


(١) التَّناوُحُ: التَّقابُلُ؛ يُقَالُ: تَناوَحَ الْجَبَلَانِ، وتناوَحَتِ الرِّيحان: إذا تقابلتا في المهب، ضياء، هامش (أ).