حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأول

صفحة 48 - الجزء 1

  الصَّلْصالُ بنُ الدَّلَهْمَس، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ عِظْنَا مَوْعِظَةً نَنْتَفِعُ بِهَا، فَإِنَّا قَوْمٌ نَعْبُرُ الْبَرِيَّةَ]⁣(⁣١)، فَقَالَ لِي: «اغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»  ⁣(⁣٢).

  قد تقدّم الكلام في الوفد وهو الطائفة من القوم، وقد يكون الوفد واحداً أو اثنين كما نقول في الخصم، والجماعة كافَّة القوم، فكأنه أتى في وجوه من أبيات بني تميم، وهو تَمِيمُ بنُ مُرِّ بنِ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ بنِ إِلْياسَ بنِ مُضَرَ، وهم كاهل⁣(⁣٣) مضر، وشرح أخبارهم وتفصيل أبياتهم يطول.

  الاغتسال معروف وهو تعميم البدن بالماء بحيث يجري الماء ودلك البدن حتى ينقى من الدرن، وما دون هذا مسحٌ، وغسل بعض البدن دون بعض وضوء، مأخوذ من الوضاءة وهي البياض والنقاء، والماء إذا أطلق أفاد ما خلقه الله تعالى في الأرض ابتداءً أو أنزله من السماء، من الأنهار الجارية والأمطار الهامية والبحار الساجية⁣(⁣٤).


(١) ما بين المعقوفين زيادة من النسخة (أ) ومن كتاب الاعتبار وسلوة العارفين.

(٢) انظر مصنف عبد الرزاق (٦/ ٩) برقم (٩٨٣٣) ومسند أحمد (٣٤/ ٢١٦) برقم (٢٠٦١١) وسنن أبي داود (١/ ٩٨) برقم (٣٥٥) وسنن الترمذي (١/ ٧٤٤) برقم (٦٠٥) والسنن الكبرى (١/ ١٤٩) برقم (١٩١) وسنن النسائي (١/ ١٠٩) برقم (١٨٨) ... الخ.

أما الحديث بكامله فقد ورد في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، ورواه أيضا أبو حيان التوحيدي، المتوفى نحو ٤٠٠ هـ في كتابه البصائر والذخائر، وقال ابن حجر في الإصابة (٣/ ٣٦١) عند ترجمة الصَّلْصالِ بنِ الدَّلَهْمَس ما لفظه: قال قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: وَفَدْتُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيم، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ الصَّلْصَالُ بنُ الدَّلَهْمَس، فقال قيس: يا رَسُولَ اللَّه، عِظْنَا عِظَةً نَنْتَفِعُ بها، فَوَعَظَهُمْ مَوْعِظَةً حَسَنَةً، فَقَالَ قَيْسُ: أَحُبُّ أنْ يَكُونَ هذا الْكَلَامُ أَبْياتاً مِنَ الشّعْرِ نَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى مَنْ يَلِينَا وَنَدّخِرُهَا، فَأَمَرَ مَنْ يَأْتِيهِ بِحَسّان، فَقَالَ الصّلْصَالُ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ حَضَرَتْنِي أَبْياتٌ أَحْسِبُها تُوَافِقُ مَا أَرادَ قَيْسُ، فَقَالَ: هَاتِهَا، فَقَالَ:

تجنّبْ خليطاً من فعالك إنّما ... قرينُ الفتى في القبر ما كان يفعلُ

ولا بدّ بعد الموت من أنْ تَعُدَّه ... ليومٍ ينادَى المرءُ فيه فيقبلُ

فإنْ كنتَ مشغولاً بشيءٍ فلا تكنْ ... بغير الّذي يرضى به اللَّهُ تشغلُ

ولن يصحبَ الإنسانَ من قبل موته ... ومن بعده إلّا الّذي كان يعملُ

ألَا إنّما الإنسانُ ضيفٌ لأهله ... يقيمُ قليلاً بينهم ثمّ يرحلُ

(٣) أي مُعْتَمَدُها الذي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ، والْكَاهِلُ: مُقَدَّمُ أعْلَى الظَّهْرِ مما يَلي العُنُقَ وهو الثُّلُثُ الأَعْلَى، وفيه سِتُّ فِقَرٍ، أو ما بين الْكَتِفَيْنِ، (انظر لسان العرب ١١/ ٦٠١).

(٤) سَجا سُجُوًّا: سَكَنَ، ودامَ، ومنه: البَحْرُ والطَّرْفُ الساجِي، (القاموس المحيط: ١٢٩٣).