حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الرزق، وتأثير الصدقة على الرزق]

صفحة 66 - الجزء 1

  وقد روينا عن بعض آبائنا $ أنه قال في معنى قوله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}⁣[البقرة: ٢٧، الرعد: ٢٥] قال: (هم الذين لا يوجبون اتباع أهل بيت محمد عليه وعليهم أفضل السلام) وهذا معنى مستقيم على قولنا، وجميع الطاعات تترتب على ما قلنا في استحقاق السعادة الدائمة، فمن وصل ما بينه وبين ربه بولائهم واتباعهم سعد سعادةً لا شقاوة بعدها؛ وهي السلامة من عذاب الله الأكبر، والغنيمة بالثواب العظيم الموفَّر، الذي لا يُنَغَّصُ ولا يُكَدَّر، وفَّقنا الله سبحانه للإتِّباع، وكثَّرَ في طاعته لنا الأتْباع، بحقِّه العظيم، وصلى الله على محمد وآله.

  قوله #: وَأَكْثِرُوا الصَّدَقَةَ تُرْزَقُوا.

  الإكثار نقيض الإقلال، وهما معروفان. والصدقة مأخوذة في الأصل من الصَّدْقِ، وأصل الصدق البراءةُ من العيوب، وأكثر ما يستعمل الصدق في الخبر إذا كان له مخبرٌ، أو ما يجري مجراه كان على ما هو به، وقولنا: إذا كان له مخبرٌ، احترازاً من الأخبار التي تعود إلى النفي المحض، والسلب الصرف، كالخبر بأنْ لا ثاني مع الله، وما شاكل ذلك، وأصله ما قدمنا؛ لأن الكذب في الحديث بمنزلة الخَوَرِ في القناة، يقال قناةٌ صَدْقَةٌ ورمح صَدْقُ الكُعوب، فلما كانت الصَّدَقةُ صحيحة بريئة من العيوب لأنها تُخْرَجُ لله تعالى سميت صدقة، وهذا الأمر من النبي ÷ عامٌّ مُجْمَلٌ، يدخل تحته الفرضُ والنفلُ، وقد يُميَّز كلُّ واحدٍ منهما عن الآخر بدليله.

[الرزق، وتأثير الصدقة على الرزق]

  والرزق أصله تفريق الفرائض في الجند على قدر رأي السلطان فيهم، يقول قائلهم: رزق السلطان جنده، إذا فرَّق فيهم العطاء وقسمه بينهم، فإذا أُضيف إلى الله تعالى أفاد ما قَسَم بين عباده على مقدار ما يعلم من المصلحة في التقليل والتكثير، وقد قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}⁣[الزخرف: ٣٢]

  وحَدُّ الرزق: هو ما للإنسان تناوله وليس لأحدٍ منعه على بعض الوجوه، واحترزنا بقولنا: على بعض الوجوه من اليتيم، فإنَّ لوليه منعه من تناول رزقه إذا رأى في ذلك صلاحاً، وكذلك من أراد أكْلَ شيء من ماله في نهار شهر رمضان لغير عُذرٍ كان لنا منعه من تناوله إذا تكاملت فينا