حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الرزق، وتأثير الصدقة على الرزق]

صفحة 67 - الجزء 1

  الشروطُ، وقد ورد في هذا الكلام من النبي عليه وعلى آله السلام أمرٌ وخبرٌ، فالأمر قوله #: «أَكْثِرُوا الصَّدَقَةَ» والخبر قوله #: «تُرْزَقُوا» فالأمر يجب اتباعه لكونه في الحكم من حكيم أعلى منَّا رتبةً، والخبر يجب تصديقه لكونه ممن ظهر الْمُعْجِزُ على يديه.

  وَمَعْنَى ذَلكَ: أن الرزق الذي شرطه الله تعالى بالصدقة لمصلحةٍ يعلمها، وفي الحديث: «اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بالصَّدَقَات» المراد بذلك عندنا المشروط؛ فإنه يقف على تقديم الصدقة، ولأنَّا قد علمنا منه أنه تعالى يَرزق المتصدق والمانع بالمشاهدة، ويحتمل وجهاً آخر وهو أن في الحديث حذفاً، مثله موجود في كلام الفصحاء، تقديره: ترزقوا رزقاً دائماً خالصاً من كلِّ شائب، عظيماً من كل جانب، وهو ثواب الآخرة؛ إذ هو الذي له تأثير، وخطره كبير، فأمَّا الدنيا فجِدَتها تَؤولُ إلى الدمار، ورِبْحُها إلى الخسار، ونَضارتُها تؤول إلى الاصفرار، وطالِبُها وكاسِبُها يُساق غداً إلى النار، فيُخلد في العذاب الشديد الطويل، ويَهتِفُ بالويل والعويل، ويقول كما حكى الله سبحانه: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ٤٤}⁣[الشورى] فيا لها حسرةٌ ما أطمَّها وأهمَّها على من أذهب طيباتِهِ في أيام حياته، وكيف يرغب في تحصيل دنيا هذا آخرها.

  والصدقة نفلٌ وواجبٌ كما قدمنا، فالواجب الزكواتُ والأعشارُ، والنفل ما عدا ذلك من سائر القُرَب المتعلّقة بإنفاق المال، وأهلُ الواجب منها معلومون، والنفل عام في جميع العباد، وقد يتفاضل لوقوعه على وجوه، وكذلك الواجب من الصدقة أيضاً قد يتفاضل؛ لأنَّ القريب إذا كان يستحقه وصُرِفَ إليه كان فيه ثواب عظيم، روينا ذلك عن النبي ÷؛ لأنه يكون صدقةً وصلةً⁣(⁣١).


(١) في الأمالي الخميسية عن سلمان بن عامر قال رسول الله ÷: «صَدَقَتُكَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةُ».