[قصة عثمان بن مظعون مع كفار قريش في بداية الدعوة النبوية]
  فقال له عثمان: كذبت، فإن نعيم أهل الجنة لا يزول، فالتفت إليهم لبيد فقال: لقد عهدتكم ولا يؤذى جليسكم، فقام رجل من القوم إلى عثمان فلطمه على خده وعينه لطمة هائلة، وقاموا إليه وقالوا: إنَّ هذا رجلٌ مجنون في أصحابٍ له مجانين، فقال له الوليد: ما كان أغناك عن هذه اللطمة يا عثمان؛ فقال: يا عم؛ إنَّ عيني هذه لمحتاجة إلى مثل ما أصاب الأخرى في الله سبحانه.
  وذلك لأنَّ النبي ÷ كان يخبرهم وهم لا يشكون في صدق حديثه بعواقب الأمور وعِظَم الثواب.
  قوله #: أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ أَكْيَسَكُمْ أَكْثَرُكُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ.
  الكيِّسُ عند العرب هو الرجل الكامل في جميع الأمور، وأصلُ الكَيْسِ الكمالُ، ومنه سمي جملةٌ من العقود كيساً يريدون ألف دينار، وكذلك الكأس لامتلائه من الشراب سمي كأساً، وهم لا يسمون الإناء الفارغ كأساً، وقد يسمون الخمر نفسها كأساً، والأصل في الجميع ما ذكرنا. والذِّكْرُ نقيض النسيان، ويقول قائلهم اجعل هذا الأمر على ذُكْرٍ منك، بضم الذال، لا أعرف سواه.
  فمعنى ذلك: أنَّ الكامل من لم ينس الموت، بل يذكره ويعلم هدْمَه للَّذات وتنغيصَه للشهوات، فإنه يكون - والحال هذه - أقرب إلى فعل الواجبات، وترك المقبحات، والمبادرة إلى الحسنات، والمحاذرة من المحظورات، متوقعاً لنزوله، خائفاً لحلوله، لا ترقأ عَبرتُه، ولا تنخفض زفرتُه، فذلك الكامل حقّاً بغير كذب.
  قوله #: وَأَحْزَمَكُمْ أَحْسَنُكُم اسْتِعْدَاداً لَهُ.
  الحزمُ نقيض التواني، وأصله التحشد وتجمع الأطراف، ومنه سمي الحزام والمحزم لَمَّا ضم جؤشوش(١) الفرس حتى كأنه الذي جمعه، فيستقيم جريه عند ذلك. والحسَن نقيض القبيح، وهو يستعمل في أصلهم في كلِّ ما أحبته القلوب ولاءم طباعها، يقول قائلهم: أحسنتَ تدبير الأمر، وأحسنت رَمَّ المال.
  والتأهبُ والاستعدادُ معناهما واحد، وهو جمع الزانة(٢) والآلة للمهم المنتظر، وهو مأخوذ
(١) الجُؤْشُوشُ: الصَّدْرُ. (القاموس المحيط: ٥٨٦).
(٢) تكررت هذه اللفظة، وهو # يقصد اللوازم المطلوبة للرحيل والسفر.