[العقل]
  من العُدَّة وهي ما ذكرنا، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}[التوبة: ٤٦].
  والاستعداد للموت هو المبادرة بفعل الطاعات، وترك المحظورات، إذ لا سبيل لأحد إلى ردِّ فائت الأوقات، فإذا جاء الموتُ ومع الإنسان هذه العُدَّة وهي الأعمال الصالحات لم يلْوِ رأسه إلى الدنيا ولا تأسَّفَ عليها.
  قوله #: أَلَا وَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْعَقْلِ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ.
  العلامةُ والأمارة والدلالة والآية في أمثالٍ لها معناها في أصل اللغة واحدٌ، ثم قد صارت معانيها في الشرع الشريف مختلفة، وهي على ذلك متقاربة، إلا أنَّ الأمارة والعلامة معناهما متفق، وهو ما يوصل الناظرَ فيه على الوجه الصحيح إلى غالب الظن، وأصلُ العلامة حجارةٌ تُنصب بالبناء في الْمَوماة(١) المتسعة الأطراف تستدل بها السيارة على الجادة، ومنه أُخذ علَم الأمارة لترجع إليه المقاتِلة حين اضطراب أمواج الخيل وانتقاض الصفوف، يدلهم على الرئيس ليأووا إليه، وكذلك الأمارة أخذت من الأَمَارِ، وهي أعلامٌ تنصب كذلك.
[العقل]
  والعقلُ علومٌ يخلقُها الله تعالى في قلوب المتعبَّدين فيجب بعدها التعبد، وقد خالف قوم من الجهال ممن يُنسب إلى الشيعة(٢)، فقالوا: إن العقلَ القلبُ، وهذا القول أضعفُ من أن يُنصبَ على
(١) المَوْماةُ: المَفازةُ الْوَاسِعَةُ المَلْساء، وَقِيلَ: هِيَ الْفَلَاةُ الَّتِي لَا ماءَ بِهَا وَلَا أَنِيسَ بِهَا. (لسان ١٢/ ٥٦٦).
(٢) قال الإمام أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة (ص: ٤٩) أجمع الموحِّدُ والملحدُ على أن العقل هو العلم، وأنه عرضٌ؛ إلا فرقة ...... إلى قوله: وهم أصحاب مطرّف بن شهاب، فإنهم قالوا: (العقل) هو القلب، واستدلوا بقول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ٣٧}[ق] ونَسوا قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ٤٦}[الحج]، وقد فسّر الهادي إلى الحق # قول الله تعالى: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}، قال: لمن كان له قلبٌ يعقل به، ولو كان العقلُ هو القلبُ، لَمَا حُسِدَ العاقلُ عليه، ولا ذُمَّ بنقصانه، ولا كان يزول عند النوم وشبهه، إذ ليس كل من له قلب بعاقلٍ؛ كالطفل والمجنون والبهيمة؛ وكل من له عقل فله قلبٌ، ا. هـ.