حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[القرآن]

صفحة 94 - الجزء 1

  والواضح هو الظاهر اللائح، لا فرق بين ذلك. والدليلُ هو ما يوصل النظرُ فيه على الوجه الصحيح إلى العلم اليقين، وكذلك حالُ القرآن الكريم؛ لأنَّ من نظر في شيء منه على ما قدمنا أَوْصَلَه نظرُه إلى العلم اليقين. والسبيل هو الطريق، والمراد به هاهنا طريق الجنة التي من لزمها انتهى إلى النعيم الدائم، والملك العقيم، ونعم عقبى الدار.

  قوله #: مَنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ.

  التصديقُ نقيضُ التكذيبِ، ومعنى التصديق أن يقال للمتكلم به والْمُخبِرِ عن خبره: صَدَقْتَ، أو يقال للعامل به والمصَدِّقِ بمقتضى خبره: قد صَدَّقْتَ، ولا بد من تصديق من قال بالقرآن وعمل بمقتضاه، فإنَّ مَنْ لتصديقه حكمٌ وتأثيرٌ وهو الملك الجبار والملائكة الأبرار والأنبياء الأخيار والأئمة الأطهار والمؤمنون الأحرار يُصدِّقون القائلَ بالقرآن والعاملَ به تصديقاً يورثه دارَ الكرامة، فهذا أحد وجهي التصديق.

  والوجه الثاني أنْ لا بد من إطباق الكل على تصديقه يوم القيامة، الأخيارِ والأشرارِ، والمؤمنين والكفارِ، والتصديق لم يؤقت، فيكون معنى التصديق ذلك، وهو يومٌ ينجو فيه الصادقون ويهلك الفاسقون، وهذا من أقوى الأسباب الموجبات للقول والعمل بموجِب القرآن الكريم. والعاملُ به هو العامل بمقتضاه المؤْثِرُ لهداه على هواه. والأجر هو الثواب على عملٍ أو تركٍ، فإذا قال بالقرآن وعمل به أوتي أجراً عظيماً، وقد قدمنا في معنى ذلك صدراً.

  الحكم في أصل اللغة هو المنع، وفي عرف الشريعة المكرمة القطعُ على أحد الخصمين بلزوم الحق لصاحبه إن افترق حالهما، والقطع بالتعديل بينهما إن استوى حالهما، ولما كان أصل الحكم المنع وكان الحاكم بحكمه يمنع أحدَ الخصمين عما ليس له؛ سُمِّي حاكماً. والعدل نقيض الجَور، وهو الإنصاف من النفس والانتصاف لها.

  وَمَعْنَى ذَلكَ: أن من حكم بكتاب الله تعالى فقد أخذ لنفسه بالوثيقة، وسلك أوسط طريقة، وعدل على الحقيقة، لأن كتاب الله تعالى قاعدةُ العدل وأساسُه، وعينه ورأسه، ومُهجته وأنفاسه، والأمر فيه ظاهرٌ، ومنه حديث معاذ حين بعثه رسول الله ÷ إلى أرض