حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[التفويض]

صفحة 98 - الجزء 1

  ومعنى التوكُّل على الله تعالى أن تعتمد في كلِّ مُهِمٍّ عليه، وتَرُدَّ كلَّ مُلِمٍّ إليه، وتضع يدك في يديه، ولا ترجو لكلِّ شديدة سواه، ولا توالي خوفاً من المشاق عِدَاه، تُؤْثِرُ إنْ أعطاك لِتُرْضِيَهُ وَلِيَّه، وتَشْكُرُ إنْ منعَك لِتُكْبِتَ عدُوَّه، ولا تطلبُ شيئاً من رزقه بمعصيته، ولا تعصيه عزَّ وعلا لِرِضَا أحدٍ من خلقه، ولا تقصِّر في شيء من عبادته ولوازم تكليفه، فهذا معنى التوكُّل عندنا، وبه يسمَّى العبدُ متوكِّلاً شرعاً.

[التفويض]

  وثانيها: التفويض إلى الله، أصلُ التفويض التخْلِيةُ للغير يصنع ما أراد بلا منعٍ ولا اعتراضٍ عليه، ولا حَدَّ دونه، وهو مأخوذٌ من فاضَ الماءُ إذا أخذ على وجهةٍ بلا حاجز يمنعه، ولا حائل يردعه، ومن ذلك قولهم: الناس فوضى، أي مستوون فلا فاضل فيهم يمنعهم عن بعض الأمور ويأمرهم ببعضها، قال الشاعر:

  لَا يَصْلُحُ⁣(⁣١) النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا

  ومعنى التفويض إلى الله تعالى أنْ تعلم أنَّ يده في مالِكَ وولدِكَ، وسَبَدِكَ ولَبَدِكَ⁣(⁣٢)، وطارِفِكَ وتالِدِكَ⁣(⁣٣) أولى وأعلى من يدك، فلا تعقبْ فعلَه في ذلك - وإن خالف رضاك وجانب هواك - بكراهة أبداً، وإن لم يدع لك مالاً ولا ولداً، فهو خيرُ خلفٍ من كلِّ فائتٍ، وبقيَّةٌ من كل هالك، فمن لم يفوض أمره إليه⁣(⁣٤) على هذا الوجه لم يَكْمُلْ إيمانُه، وظهر عصيانُه.


(١) في الأصل وفي نسخة أخرى: وَأَصْبَحَ النَّاسُ فَوْضَى ... الخ.

(٢) السَّبَدُ: الوَبَر، وَقِيلَ: الشَّعَرُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ، أَي مَا لَهُ ذُو وَبَرٍ وَلَا صُوفٍ مُتَلَبِّدٍ، يُكَنَّى بِهِمَا عَنِ الإِبل وَالْغَنَمِ ... وقال الأصمعي: ما له سَبَدٌ ولا لَبَدٌ أَي ما له قليل ولا كثير. (لسان: ٣/ ٢٠٢)

(٣) الطَّارِفُ والطَّرِيفُ: مَا اسْتَحْدَثْتَ مِنَ المالِ واسْتَطْرَفْته، والتِّلادُ والتلِيدُ ما ورِثْتَه عَنِ الْآبَاءِ قَدِيمًا. (لسان: ٩/ ٢١٤).

(٤) في الأصل: فمن لم يفوض إليه أمره، وفي (أ): فمن لم يفوض أمره إلى الله. والمثبت من نسخ أخرى.