حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[التوكل]

صفحة 97 - الجزء 1

  الإكمال والإتمام يفيدان معنًى واحداً، وهو فعل مُوجب الأمر مطابقاً لغرض الآمِرِ بغير زيادةٍ ولا نقصان.

  والعبدُ المراد به هاهنا الْمُكَلَّفُ، وسُمِّيَ عبداً لأنه مُذلَّلٌ ذليلٌ لله سبحانه، وأصلُ التعبيد التذليلُ، من ذلك قولهم: طريقٌ مُعبَّدٌ، أي مذلَّل، فأما التعبيد بمعنى التذليل فهو عام في جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، إذْ ما به مخلوقٌ إلا وقد ذلَّلَهُ الله تعالى بالفناء والحاجة، وتعزَّزَ سبحانه بالبقاء والغنى، وكيف لا نكون في جنبه مذلَّلين، ولطاعته مؤهَّلين، وإن رام الإباقَ الجاهلون، ونسي واجبَ حقِّهِ الغافلون، وهو مالكُنا ومالِكُ آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا، ولا يصحُّ خروجُنا عن ملكه بوجهٍ من الوجوه، ومن لنا بذلك، فالحمد لمن جعلنا كذلك، وأخرجنا من العدم إلى الوجود ولم نكن شيئاً مذكوراً، فنحن عبيده حقّاً حقّا، خَوَلاً أرِقَّاء، فكيف يَسوغ عصيانُه، أو يَحْسُن نِسيانُه، فهذا في معنى المذلَّل، وهو عام كما ترى في جميع العباد، وأما الذليل لله تعالى فهو قليلٌ من الناس، والمغبون من لم يَذِلَّ لربه، ويعترفْ بذنبه في وقتٍ تُقبَلُ فيه المعذرةُ، وتَنْفَعُ الندامةُ، وتَعْقِبُ الذلَّةَ الفانيةَ العِزَّةُ الباقيةُ.

  والإيمان في أصل اللُّغة هو التصديق، ولا فرق بين قولك آمنْتُ به وبين قولك صدَّقتُ به، فأما في عرف الشريعة المعظمة فالإيمان له أصولٌ وفروعٌ شرحها يطول، ولعلَّ أفنان الكلام في كتابنا هذا إن شاء الله تحيط بأكثرها فتأمَّلْه، فلا يكون المؤمن مؤمناً شرعاً إلا بفعل جميعها.

  الخصال والخلال والطرائق معناها واحدٌ، وهي التي يلزم الإنسانَ فِعْلُها، ويستقيم عليها من جميع الأمور.

[التوكل]

  فأول ما ذكر # من الخمس الخصال: التوكل على الله، وبدأ بذكره لأنه أعلاها، ومعناه أن لا تهتمَّ بالأمر الْمُهمِّ اعتماداً على غيرك فيه، ولذلك سُمِّي الرجل وَكَلاً، وهو الذي لا يهتم بالأمور اعتماداً على غيره فيها، وهو ذَمٌّ عندهم.