نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

109 - ومن خطبة له # في بيان قدرة الله وانفراده بالعظمة وأمر البعث

صفحة 160 - الجزء 1

  حُبِّهَا ومَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَه وأَمْرَضَ قَلْبَه فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ ويَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَه وأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَه ووَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُه فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا ولِمَنْ فِي يَدَيْه شَيْءٌ مِنْهَا حَيْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَيْهَا وحَيْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا لَا يَنْزَجِرُ مِنَ اللَّه بِزَاجِرٍ ولَا يَتَّعِظُ مِنْه بِوَاعِظٍ وهُوَ يَرَى الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرَّةِ حَيْثُ لَا إِقَالَةَ ولَا رَجْعَةَ كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ وجَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ وقَدِمُوا مِنَ الآخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وحَسْرَةُ الْفَوْتِ فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ وتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وبَيْنَ مَنْطِقِه وإِنَّه لَبَيْنَ أَهْلِه يَنْظُرُ بِبَصَرِه ويَسْمَعُ بِأُذُنِه عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِه وبَقَاءٍ مِنْ لُبِّه يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَه وفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَه ويَتَذَكَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا وأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا ومُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْه تَبِعَاتُ جَمْعِهَا وأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَه يَنْعَمُونَ فِيهَا ويَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِه والْعِبْءُ عَلَى ظَهْرِه والْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُه بِهَا فَهُوَ يَعَضُّ يَدَه نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَه عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِه ويَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيه أَيَّامَ عُمُرِه ويَتَمَنَّى أَنَّ