نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

مقدمة السيد الشريف الرضي

صفحة 36 - الجزء 1

  به ينطف دما ويقطر مهجا، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال، وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة، التي جمع بها بين الأضداد وألف بين الأشتات، وكثيرا ما أذاكر الإخوان بها وأستخرج عجبهم منها، وهي موضع للعبرة بها والفكرة فيها.

  وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد، والمعنى المكرر، والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف، اختلافا شديدا، فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية أخرى، موضوعا غير موضعه الأول، إما بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهارا للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام، وربما بعد العهد أيضا بما اختير أولا، فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا لا قصدا واعتمادا.

  ولا أدعي مع ذلك أني أحيط بأقطار جميع كلامه #، حتى لا يشذ عني منه شاذ ولا يند ناد، بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إلي، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي، وما علي إلا بذل الجهد وبلاغة الوسع، وعلى الله سبحانه وتعالى نهج السبيل وإرشاد الدليل، إن شاء الله.

  ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب بنهج البلاغة، إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها ويقرب عليه طلابها، فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق، ما هو بلال كل غلة وشفاء كل علة، وجلاء كل شبهة.

  ومن الله سبحانه أستمد التوفيق والعصمة، وأتنجز التسديد والمعونة، وأستعيذه من خطأ الجنان قبل خطأ اللسان، ومن زلة الكلم قبل زلة القدم، وهو حسبي ونعم الوكيل.