نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

مقدمة السيد الشريف الرضي

صفحة 35 - الجزء 1

  وأردت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به #، بقول الفرزدق:

  أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع

  ورأيت كلامه # يدور على أقطاب ثلاثة، أولها الخطب والأوامر، وثانيها الكتب والرسائل، وثالثها الحكم والمواعظ، فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء، باختيار محاسن الخطب ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم والأدب، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ومفصلا فيه أوراقا، لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه، يشذ عني عاجلا ويقع إلي آجلا، وإذا جاء شيء من كلامه # الخارج في أثناء حوار، أو جواب سؤال، أو غرض آخر من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها، وقررت القاعدة عليها، نسبته إلى أليق الأبواب به وأشدها ملامحة لغرضه، وربما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متسقة، ومحاسن كلم غير منتظمة، لأني أورد النكت واللمع، ولا أقصد التتالي والنسق.

  ومن عجائبه # التي انفرد بها، وأمن المشاركة فيها، أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله، ممن عظم قدره ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك، في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل، لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب، مصلتا سيفه فيقط الرقاب ويجدل الأبطال، ويعود