[الرضى بالقضاء، ومعاني القضاء]
  والعِلل الشاقة كالجذام والبرص والجنون والعمى ... إلى غير ذلك من أنواع البلاء وحتم القضاء، فإنَّ الواجب على المكلَّف أنْ يتلقى ذلك بالرضى وحسن الثناء؛ لأنَّ ذلك عنوان الحكمة، ورأس العبادة، وهو المأخوذ عن الأنبياء $، والأئمة والأصفياء، لا ينكر ذلك أحدٌ من العلماء، وكيف يُنْكَرُ على أحكم الحكماء وعنده العِوضُ والجزاء، وهو أعلم بمصالح العقلاء.
  وفي الحديث أن موسى # قال: يا رب؛ أرني أحبَّ خلقك إليك وأكثرَهم لك عبادة، فأمره الله تعالى أن ينتهي إلى قرية على ساحل بحرٍ، وأخبره أنه يجدُه في مكان قد سماه له، فوصل # إلى ذلك المكان فوقع على رجلٍ مجذومٍ مُقْعَدٍ أبْرَصَ، يُسبِّحُ الله تعالى، فقال موسى #: يا جبريل، أين الرجل الذي سألتُ ربي أن يريني إياه؟ فقال جبريل #: هو يا كليم الله هذا. فقال: يا جبريل، إني كنت أحُبُّ أن أراه صوَّاماً قوَّاماً. فقال جبريل #: هذا أحبُّ إلى الله تعالى وأعبدُ له من الصوَّام القوَّام، وقد أُمِرتُ بإذهاب كريمتيه؛ فاسمع ما يقول. فأشار جبريل # إلى عينيه فسالتا على خديه، فقال: متَّعْتَني بهما حيثُ شئتَ، وسلبتَني إياهما حيث شئتَ، وأبقيتَ لي فيك طول الأمل يا بارُّ يا وَصُولُ. فقال له موسى #: يا عبد الله؛ إني رجلٌ مجابُ الدعوة، فإنْ أحببتَ أنْ أدعو لك الله تعالى يردُّ عليك ما ذهب من جوارحك ويبرئُك من العلَّة فعلتُ؟ فقال رحمة الله عليه: لا أريد شيئاً من ذلك، اختيارُه لي أحبُّ إِليَّ من اختياري لنفسي، وهذا هو الرضا المحض كما ترى، فقال له موسى #: سمعتك تقول يا بارُّ يا وصولُ، ما هذا البِرُّ والصلةُ الواصلان إليك من ربك؟ فقال: ما أحدٌ في هذه البلد يعرفه غيري، أو قال يعبُده، فراح # متعجباً وقال: هذا أعبد أهل الدنيا.
  ومثلُ تعجبه # ممَّنْ رضي بقضاء الفعل تعجُّبُنا ممن رضي بقضاء الأمر المؤدِّي إلى تلف النفوس، وذهاب الأعضاء، ومفارقة الأولاد والنساء، كزُهير بن القين العِجْلي، ومسلم بن عوسجة الأسدي، وأبي حِجْل المشهّر، وحبيب بن المظهّر(١)، وأمثالهم ¤ وأبلغَهم
(١) هم الذين استشهدوا في معركة الطف مع الإمام الحسين بن علي #:
* فأما زهير بن القين فقد كَانَ بِمَكَّةَ - وَكَانَ عثمانيا - فانصرف من مَكَّة متعجلا فضمه الطريق وحسينا، فكان يسايره وَلا ينازله، ينزل الْحُسَيْن فِي ناحية وزهير فِي ناحية، فأرسل الْحُسَيْن إِلَيْهِ فِي إتيانه، فأمرته امرأته ديلم =