[الحب في الله والبغض في الله]
  وقد روينا في مثل ذلك عن النبي ÷: «مَنِ انْتَهَرَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ أَمْناً وَإيمَاناً» فهذا ضدُّ اللين كما ترى، ولا يجهل تغير التكليف بالأوقات والأشخاص إلا الجاهلون.
  وقد يتعلق بمعنى الحب في الله إخلاص الودِّ لآل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام خاصَّةً وللمسلمين عامَّة، وفي ذلك ما روينا بالإسناد إلى أمير المؤمنين # أنه قال: قال رسول الله ÷ لما نزلت هذه الآية: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ٢٨}[الرعد] «ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَحَبَّ أهْلَ بَيْتِي صَادِقاً غَيْرَ كَاذِبٍ، وَأَحَبَّ الْمُؤْمِنِينَ شَاهِداً وَغَائِباً، ألَا بِذِكْرِ اللهِ فَتَحَابُّوا» ومعنى ذكر الله هاهنا معرفتُه، لأنك تذكره بأسمائه الحسنى وآلائه العلى، ولا شك أنه يَقْبُحُ منك أن تذكرَ بالإجلال والتعظيم من لا تعرف، ولأن ذلك لا يستقيم في الأصل، ألا ترى أنه لا يَحسُن منك أن تقول: أكرم الناس وأعلمهم وأحلمهم زيد، فإذا قيل: ومن زيد؟ قلتَ: لا أعرفه، وإذا عَرَف اللهَ تعالى حقيقة المعرفة تَرتَّبتِ المحبةُ عليها على حدِّ ما جاء في الخبر.
  قوله #: وَأَعْطَى للهِ، وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ.
  الإعطاءُ نقيض المنع، ومعنى الإعطاء لله تعالى هو تسليم الحقوق الواجبة إلى أوليائه المستحقين لها، ومعنى المنع لله أن تمنع أعداء الله من الحقوق الواجبة لأوليائه؛ إذ هم لا يستحقون شيئاً منها لكونها مشروطة بالطاعة(١)، فأما عطايا النفل وما يتعلق بالإحسان والمروءة فما حُظِرَ ذلك عن أحد، وقد قال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ٢٠}[الإسراء] وقد ورد في الآثار المقدَّسةِ الحضُّ على صلة القاطعين، والإحسانُ إلى المسيئين، والتجاوزُ عن المذنبين، وجميع ما ذكرنا معلوم من أخلاق الصالحين مع الطالحين.
(١) لفظة (الطاعة) زيادة من بقية النسخ.