[الغيبة والنميمة، والاستطالة في عرض المسلم، والسعاية بالمسلمين]
  نخشى أن يكون النفي في قوله #: «لَا يَدْخُلُ الْجنَّةَ قَتَّاتٌ» مؤبَّداً، وذلك بأن يكون في معلومه تعالى أن يكون من جملة ما يستحق على النميمة سلب التوفيق والتسديدِ إلى التوبة، فلا يدخل الجنة أبداً، وهذا خطرٌ عظيمٌ يلزم المسلمَ الاحتراز منه والخوف.
  وأما انتقاص العرض فهو أيضاً جُرْمٌ كبيرٌ، وحُوب عظيم، وقد روينا عن سعيد بن زيد(١) عن النبي ÷ أنه قال: «مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الْاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» وروينا في مثل ذلك بالإسناد إلى علي بن موسى الرِّضَى # يرفعه بطريق آبائه إلى علي عليه و $ قال: قال رسول الله ÷: «مَنْ بَهَتَ مُؤْمِناً أَوْ مُؤْمِنَةً أَوْ قَالَ مَا لَيْسَ فِيهِ أَقَامَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى تَلٍّ مِنَ النَّارِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» ولا شك أنَّ من لوازم الإيمان توقير المسلمين وتعظيمهم، فمن آذاهم واستخفَّ بهم فقد فعل نقيض الواجب، وقد روينا عن النبي ÷ أنه قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا».
  وفي السعاية بالمسلمين آثارٌ ظاهرةٌ، وقبح السعاية بالمسلمين لا يفتقر إلى برهان، والتهدُّدُ جنايةٌ كبرى، لأنه الأذى وزيادة، وقد تقدم فيه ما تقدم، وكذلك في الاستخفاف إثمٌ كبيرٌ وقد تقدم دليله، وجنايات اليد معلومة، والأمر فيها ظاهر.
  قوله #: وَلَا يَنَالُ دَرَجَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَأْمَنَ أَخُوهُ بَوَائِقَهُ، وَجَارُهُ بَوَادِرَهُ.
  الدرجةُ هي المرتبة العظيمة في عرف الشريعة، وهي في أصل اللغة: المراقي إلى الأمور العالية، ولا أعلى من الثواب، فسُمِّيتْ مراتبهُ دَرَجاً أخذ من ذلك. والمؤمنون هم المصدِّقون بما جاء من عند الله، المنقادون له قولاً وعملاً، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
(١) سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلِ بنِ عَبْدِ الْعُزَّى بنِ رِيَاحِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ قُرْطِ بنِ رَزَاحٍ بنِ عَدِيِّ، هو ابنُ عَمِّ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وزَوْجُ أُخْتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الخَطَّابِ، أسْلَمَ هو وزوجَتُهُ فاطمةُ بنتُ الْخَطّاب في أَوِّلِ الإسْلام، وكان إسْلامُ عُمَرَ بنِ الْخَطّاب عَلى يَدَيْهِما فِي قِصَّةٍ طَويلَة، يُكَنَّى أَبا الْأَعْوَرِ، شَهِدَ المَشَاهِدَ كُلَّها إلَّا بَدْراً، تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ (٥١ هـ)، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةٌ.