حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الغيبة والنميمة، والاستطالة في عرض المسلم، والسعاية بالمسلمين]

صفحة 110 - الجزء 1

  ثُمَّ عقَّبَ سبحانه الجهادَ بالنفس لكونه أحد مَرْتبتي الجهاد، ورُكْنَي قاعدة الإسلام، وقد روينا في ذلك عن عمران بن الحصين⁣(⁣١) قال: قال رسول الله ÷: «مَقَامُ الرَّجُلِ في الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ رَجُلٍ سِتِّينَ سَنَةً» وهذا أمرٌ مَنْ حُرِمَهُ فقد حُرِمَ، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا توفيقه وتسديده وعونه وتأييده إلى سبيل رضوانه.

  ثم عقَّب ذلك بقوله سبحانه: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ١٥} فدلَّ ذلك على أنَّ من ادَّعى الإيمان بغير ما ذكرنا فهو من الكاذبين، وأنَّ دعواه تلحق بدعوى المنافقين، فالواجب التحفظ والاحتراز.

  قوله #: حَتَّى يَأْمَنَ أَخُوهُ بَوَائِقَهُ.

  يريد أخاه في الدين لا أخاه في النسب؛ لأنَّ الله تعالى آخى بالإسلام بين الأجانب، وعادى بترك الإيمان بين الأقارب، وفي الرواية أنَّ سعد بن أبي وقاص قال: ما حرصت على قتل أحدٍ حرصي على قتل أخي عُتبة، وكان أخوه عتبة بن أبي وقاص شديد العداوة لرسول الله ÷، وهو الذي شقَّ شفةَ رسول الله ÷، وكسر رُباعِيّتَهُ اليمنى السفلى، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}⁣[الحجرات: ١٠] فَعَمَّ ولم يخص، وقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ... الآية [المجادلة: ٢٢] فخصَّ في هذه الآية المحادِّين، وقطع إخوانهم في الدين.

  البوائقُ جمع بائقة، والبائقة الفعلة العظيمة، وهي هاهنا عظيمة قبيحة، فالواجب على المؤمن أنْ يكون مأمون الجانب على الأخ والصاحب.

  قوله #: وَجَارُهُ بَوَادِرَهُ.

  يريد سوابق يده ولسانه وطرْفِه، فهذه سوابقُ الجوارحِ التي يُخْشَى بوادرُها، والجار سُمِّيَ جاراً لمجاورة داره لدارِ مُجَاوِرِهِ، والمجاورَةُ هي الملازقة، وسمّوا المرأة جارةً لذلك، وقد كانت الجاهلية على جهلها تُشَدِّدُ في أمره، وذلك ظاهرٌ في أشعارهم وأخبارهم، قال شاعرهم:


(١) هو عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ بنِ عُبَيد، أبو نُجَيد الخزاعي البصري، أسلم عام خيبر، وشهد ما بعد ذلك، وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، مات بالبصرة سنة ٥٢ هـ، وأخرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، عنه أبو رجاء العطاردي، وعبد الله بن بردة، وأبو نضرة، والحسن البصري (لوامع الأنوار للإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # - ط ٣ - ج ٣/ ٢٣٦).