الحديث الثامن
  فيتعداه وأنا أتوقف عن ذلك، أو كلاما هذا معناه(١).
  وقد جَعَلَتِ الزنادقةُ الملحدون لعنهم الله هذا القولَ شُبْهةً، فأعمى الله بصائرهم وأبصارهم، وبدَّد عقولهم وأفكارهم، أيُّ شبْهةٍ في كلامه # على الوجه الذي ذكرنا، وأمَّا إذا أريدَ به الخصوص فلا مانع من ذلك بأنْ يكون الحكيم تعالى علِم أنَّ المصلحة في صرْف من حاول أمراً مخصوصاً عن غرضه، وتبعيده عن رجائه، والعقلُ يقضي بذلك ولا يمنع منه.
  قوله #: وَمَنْ طَلَبَ مَحَامِدَ النَّاسِ بِمَعَاصِي اللهِ عَادَ حَامِدُهُ مِنْهُمْ ذَامّاً.
  الطلبُ هو الْتِمَاسُ الأمر بما يمكن من الوجوه، وقد يسمَّى الطالبُ طَلَباً للمبالغة، قال كعب بن مالك(٢) | في قصيدته العينية:
  فَخرْتَ عَلَيْنَا ابْنَ الزِّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكْمْ طَلَبٌ في آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبَعُ(٣)
  ومحامدُ الناس هي المدائح والثناء. ومعاصي الله تَعَدِّي حدوده في الفعل والترك.
  قوله #: (عَادَ) بمعنى رجع (حَامِدُهُ مِنْهُمْ ذَامّاً) الذَّامُّ نقيضُ الحامد، وهو الذي يذكر الإنسانَ بالانتقاص، وهو مأخوذ من الذمامة وهي النَّقْصُ، فقيل لكلِّ مَنِ انتقص غيرَه: ذامٌّ.
  ومعنى الحديث أنَّ الأغلب فيمن طلب محامدَ الناس - التي هي ثناؤهم ومدحُهُم - بمعاصي الله سبحانه، معناه وتوصل إلى ذلك بمعاصي الله؛ أنَّ حامِدُه منهم يعودُ ذامّاً في الدنيا، ومن ذلك
(١) ورد في نهج البلاغة: (وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (خ رقم: ٢٠٠).
(٢) كعب بن مالك بن عمر، أبو عبد الله الخزرجي السَّلَمي - بفتح السين واللام - شهد العقبة والمشاهد كلها إلا بدراً وتبوك؛ وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم. عنه: بنوه: عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الملك. توفي بالمدينة سنة خمسين. خرج له: المؤيد بالله، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة. قلت [أي الإمام مجد الدين]: وهو أحد شعراء رسول الله ÷ المجيدين. (لوامع الأنوار - ط ٣ - ج ٣/ ٢٤٣).
(٣) البيت ذكر في سيرة ابن هشام والروض الأنف بلفظ:
فَخَرْتَ عَلَيَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبَعُ