حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

صفحة 126 - الجزء 1

  يكون كذلك، فإنْ تعرَّى عن معرفة القلب فهو لغوٌ أو سهوٌ ولا ثمرة لواحد منهما، وفي الذكر آثارٌ كثيرة، نذكر منها طرفاً كافياً؛ إذ كتابنا هذا مبنيٌّ على الاختصار.

  من ذلك ما روينا عن علي # قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ÷: «مَنْ قَعَدَ في مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْفَجْرَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسُ كَانَ لَهُ مِنْ الْأجْرِ كَحَاجِّ بَيْتِ اللهِ».

  والأمر بالمعروف هو قول القائل لغيره افعل على جهة الاستعلاء دون الخضوع وهو مريد لوقوع المأمور به، والمعروف هو الحسَنُ الراجِحُ الحسْنِ، ولا يوجب كون الآمر أعلا رتبة، وقد بينَّا ذلك في كتاب صفوة الاختيار في أصول الفقه.

  والنهي عن المنكر هو قول القائل لغيره لا تفعل أو لا يفعل على وجه الاستعلاء دون الخضوع، وهو كاره لوقوع المنهي عنه مما ليس له أن يفعله.

  وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دارت رَحَى الإسلام، وجرى الشرع الشريف على نظام، وقُوِّضَتْ⁣(⁣١) قواعد الكفر بعد الالتئام، وبُدِّدَتْ جموعُه بعد الانتظام، وصار خدّ الفسق ضارعاً⁣(⁣٢)، وعُنقه خاضعاً، وَبَأْوُهُ⁣(⁣٣) متواضعاً، وجرانه⁣(⁣٤) واضعاً، وصوته خاشعاً.

  وأي تَعَبُّدٍ أعظمُ نفعاً وأبلغ وُسْعاً من الأمر بالمعروف الأكبر والنهي عن الفحشاء والمنكر، وقد نوَّه الحكيم سبحانه بأسماء قومٍ ضيَّعوه، فقال عزَّ من قائل: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ٧٩}⁣[المائدة] فعقَّب الحكايةَ عنهم بأبلغ التوبيخ والذم، وأمر به أمراً لازماً في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ


(١) قَوَّضَ الْبِنَاءَ تَقْوِيضًا: نَقَضَهُ مِنْ غَيْرِ هَدْمٍ. (مختار الصحاح: ٢٦٢).

(٢) أي ذَلِيلاً، قال في القاموس: ضَرَعَ إِليه يَضْرَعُ ضَرَعاً وضَراعةً: خَضَعَ وذلَّ، فَهُوَ ضارِعٌ، (لسان: ٨/ ٢٢١).

(٣) البَأْوُ: الكِبْرُ والفَخْرُ. يقال: بَأَوْتُ على القوم أَبْأَى بَأْواً. (لسان العرب: ١٤/ ٦٣).

(٤) الْجِرَانُ مُقَدَّمُ عُنُقِ الْبَعِيرِ مِنْ مَذْبَحِهِ إلَى مَنْحَرِهِ، فَإِذَا بَرَكَ الْبَعِيرُ وَمَدَّ عُنُقَهُ عَلَى الْأَرْضِ قِيلَ أَلْقَى جِرَانَهُ بِالْأَرْضِ، (لسان العرب ١٣/ ٨٦).