حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

صفحة 127 - الجزء 1

  بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ١٠٤}⁣[آل عمران] المراد بـ {أُولَئِكَ} هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر دون غيرهم، والمفلحون هم الباقون المنجحون، لأن معنى الفلاح هو البقاء والنجاح، وما أبقى الله تعالى من كل أمة من الأمم الماضية إلا الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهم الأنبياء $ وأتباعهم، وذلك معلوم في نوحٍ # وأمته الغرقى، وصالح # وأمته التي دمرها ø فما أبقى، وهودٍ ذي التحنن والألطاف وما فعل سبحانه بقومه في الأحقاف، وأهل سدوم وعاموراء⁣(⁣١) إذْ جعلهم هباء منثوراً، ونجَّى لوطاً # بأهله مسروراً مؤيَّداً منصوراً، وكان سبحانه بالصالحين خبيراً، وكم يَعُدّ العادُّون أو يُكيِّف الحادون، وقد روينا عن النبي ÷: «إنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيائِهِ: إِنِّي مُعَذِّبٌ مِنْ أُمَّتِكَ مائَةَ أَلْفٍ، أَرْبَعِينَ أَلْفاً مِنْ شِرَارِهِمْ، وَسِتّينَ أَلْفاً مِنْ خِيارِهِمْ، فقال: يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ؛ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟! فَقَالَ تَعالَى: عُمِلَ بَيْنَ ظَهْرانِيهِمْ بَالْمَعَاصِي فَلَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي» وقال #: «لَيْسَ لِعَيْنٍ تَرَى اللهَ يُعْصَى فَتَطْرِف حتَّى تُغَيِّرَ أو تَنْتَقِلَ».

  وأما الإصلاح بين مؤمنين فهو من لوازم الدين، وكيف لا يكون كذلك والله تبارك وتعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ١٠}⁣[الحجرات] فأمَرَ بذلك، وأمْرُه تعالى واجبُ الاتّباع، ثم أشار إلى الوعيد على تركه بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} لأنه لا يُتَّقَى من قِبَلِه تعالى إلا العذابُ والسخط، ووعدنا بالرحمة على فعله، لأنَّ (لَعَلَّ) مِنَّا تَرَجٍّ، ومنه تعالى للقطع والوقوع، فأيُّ رخصة في ترك ما هذا حاله، فالواجب الفزع له، والاهتمام به، والقيام فيه، بكل وجه من وجوه الإمكان.

  فَقَامَ إِلَيْهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَقَالَ⁣(⁣٢): يَا رَسُولَ اللهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا نَتَكَلَّمُ بَهِ؟


(١) هما مدينتا قوم لوط، وهي منطقة حول البحر الميت.

(٢) في جميع النسخ: فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: ... الخ.