حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[معاذ بن جبل]

صفحة 129 - الجزء 1

  هذا أوردني الموارد، وفي غريب الحديث عن النبي ÷: «مَنْ وُقِيَ شَرَّ لَقْلَقِهِ وذَبْذَبِهِ وَلَجَ الْجنَّةَ» يريد فَرْجَه ولسَانَه، فرحم الله امرأً لم يُهلِك نفسَه بنفسه، وعَلِم أنَّ قبض أطرافِها من أفضل إنصافها، فوسم إغفالها بالتقوى، ومنعها عن الأهواء، ولم يدع للِّسان نهجاً من المهلكات خالياً، بل يجعل عقلَه عليه والياً، وذِكْرَه ونظرَه له كالياً⁣(⁣١)، فما كان له؛ تكلَّم به، وما كان عليه؛ أمسك عنه، ومن له بنجاةٍ مع ذلك، فنسأل الله تعالى رحمةً يدفعُ بها عنَّا⁣(⁣٢) شرَّ أطرافنا، وتسكنُ في أعطافنا⁣(⁣٣)، تُحَبِّبُ إلينا رضوانَه، وتُبَغِّضُ إلينا عصيانه، حتى يمتزج ذلك بأسماعنا وأبصارنا، ويعتلج بهممنا وأفكارنا، ويختلط بلحومنا ودمائنا وعظامنا وألبابنا وأمخاخنا وأعصابنا، لننجو غداً مع الناجين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين.

  فأما بغير هذا الحال فالأمر خطر جدّاً، كيف ينجو بغير رحمةٍ من الله تعالى مَنْ كان في كلِّ جارحةٍ من جوارحه حقٌّ، وله سبحانه على كلِّ جارحةٍ من جوارحه رقيبٌ، ألم تسمع إلى قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨}⁣[ق] الرقيب المنتظر المتربص الذي لا يَغْفُل في الأغلب، والعتيد الحاضر الذي لا يغيب.

  قوله #: فَمَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ فَلْيَحْفَظْ مَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ، وَلْيَحْرُسْ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ جَنَانُهُ.

  لَمَّا تقدم ذكر النار، وأنَّ مَنْ أرسل لِسَانه كُبَّ على مَنْخِرَيْه فيها؛ عقّبَه # بأنَّ مَنْ أراد السلامة منها - جعلنا الله من المبعدين عنها - فلْيحفظ ما جرى به لسانُه، يريد حراستَه وملاحظتَه، فلا يخرج منه ما يكون عليه، ولا يدع ما يكون له، فإنَّ إخراج ما يكون عليه لوعةٌ وغرامة، وترْكَ ما يكون له حسرةٌ وندامة، والقول في الحق خيرٌ من السكوت، والسكوت في الباطل خيرٌ من الكلام.


(١) أي متكررًا مترددًا، قال في القاموس المحيط: كلأ بَصَرَهُ في الشيءِ: رَدَّدَهُ. (القاموس المحيط: ٥١).

(٢) في النسخة (أ) ونسخة أخرى: يدفع عنا بها شر ... الخ.

(٣) العِطْفُ: المَنْكِب ... وإبْطُه عِطْفُهُ. والعُطُوف: الآباطُ. وعِطْفَا الرَّجُلِ وَالدَّابَّةِ: جَانِبَاهُ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وشِقَّاه مِنْ لَدُنْ رأْسه إِلَى وَرِكه، وَالْجَمْعُ أَعْطَاف. (لسان ٩/ ٢٥٠).