حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[قصة الوليد بن يزيد بن عبد الملك]

صفحة 136 - الجزء 1

الحديث الحادي عشر

  عَنِ⁣(⁣١) ابْنِ عَبَّاسٍ - وقد تقدَّم الكلامُ في نسبه وشرح بعض خلاله، وهل يخفى البدر عند كماله - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ÷: «أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاِدِمِ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي ضِيقٍ وَسَّعَهُ عَلَيْكُمْ فَرَضِيتُمْ بِهِ فَأُجِرْتُمْ، وَإِنْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي غِنًى بَغَّضَهُ إِلَيْكُمْ فُجُدتُّمْ بِهِ فَأُثِبْتُمْ، فَإِنَّ الْمَنَايَا قَاطِعَاتُ الْآمَالِ، وَاللَّيَالِي مُدْنِيَاتُ الْآجَالِ، وَإِنَّ الْمَرْءَ بَيْنَ يَوْمَيْنِ؛ يَوْمٍ قَدْ مَضَى؛ أُحْصِيَ فِيه عَمَلُهُ فَخُتِمَ عَلَيْهِ، وَيَوْمٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ، إِنَّ الْعَبْدَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ وَحُلُولِ رَمْسِهِ يَرَى جَزَاءَ مَا أَسْلَفَ وَقِلَّةَ غِنَى مَا خَلَّفَ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ، وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ»(⁣٢).

  الإكثار معروف وهو نقيض الإقلال. والذِّكْرُ هاهنا نقيض النسيان، وهو خطور المذكور في البال في جميع الأحوال. والهادم مأخوذ من الهدم وهو التخريب، والهادم فاعل الهدم، ومعناه يناقض معنى العامر، والهادمُ هاهنا هو الموتُ، ولا نعلم شيئاً أهدمَ منه للَّذَّات، ولا أكْدَرَ للشهوات، وكيف لا يكون كذلك؟! وكم من مسرورٍ قد هدم سروره بالأحزان، ومُلْتذٍّ قد نغَّص لذته بالأشجان، فأصبح بعد الضحك باكياً، وبعد الطَّرب شاكياً، وكم في ذلك من شاهد ظاهر، ومَثَلٍ سائر.

[قصة الوليد بن يزيد بن عبد الملك]

  من ذلك ما رُوِيَ عن الوليد بن يزيد بن عبد الملك⁣(⁣٣) - وكان جبَّاراً مترفاً - أنه قال يوماً لجلسائه: يزْعُمُ الناسُ أنَّ مَلِكاً ما تَمَّ له سُرورُ يومٍ! قالوا: كذلك روي! فقال - بزعمه بفيه


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل المكتّب قال حدثنا أحمد بن إسماعيل الوراق قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس ... الحديث.

(٢) الحديث: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَعَهُ عَلَيْهِ وَلَا ذَكَرُهُ وَهُوَ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ» رواه ابن حبان (٧/ ٢٦٠) رقم (٢٩٩٣) ومثله القضاعي في مسند الشهاب (١/ ٣٩١) رقم (٦٦٨) ومثله الطبراني في الأوسط (٦/ ٥٦) رقم (٥٧٨٠) والبيهقي في شعب الإيمان (١٣/ ١٣٩) رقم (١٠٠٧٦).

(٣) هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان الخليفة الحادي عشر من خلفاء بني أمية، تولى بعد هشام بن عبدالملك في شهر ربيع الآخر سنة ١٢٥ هـ، وقُتل يوم الخميس لليلتين بقيتا من شهر جمادى الآخرة =