حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[قصة صاحب الخورنق]

صفحة 137 - الجزء 1

  الكَثْكَث⁣(⁣١)، مُتألياً على مَنْ كُلُّ مُلْكٍ غير مُلْكه باطل، وكُلُّ سلطان غير سلطانه زائل -: والله لأستكملنَّ لذَّةَ يومي هذا، ثم أخذ جاريةً له يقال لها: حبابة، وكانت اشتُرِيتْ بمالٍ جسيم، ولم يُرَ مثلُها، ودخل بستاناً في جانب دار الخلافة، فيه أنواع الأشجار والأزهار، وأخذ غلاماً لطيفاً يصلح للخدمة، من أظرف الغلمان، وقال لحاجبه: اطْوِ عنِّي جميع الأخبار ولو أُخِذَ نِصفُ المملكة، وأخَذ ما يحتاج إليه في يومه ذلك من الطيِّبات والطيب، ودخل إلى مجلسه في بستانه، فلما استقرَّ به المجلس وهي تضاحكه وتغنيه وتَمْلُحُ⁣(⁣٢) في عينيه، إذ دعا الوليد برمان مقشَّر في جام جوهر، فجاء به الغلام، فأخذَتْ حبّةً فطرحتها في فمها وضحكت فشرقت بها فماتت، فقلبها فكان الحقّ، فصاح وأعْوَلَ، فما لبثوا أن خرج عليهم مكشوف الرأس، منتوف الشعر، مخموش الوجه، باكي العين، حزين القلب، ولم يقبرها ثلاثة أيام، حتى اجتمعت بنو أُميَّة إلى مسلمة بن عبد الملك وقالوا: هذه سُبّة لا تنسى، فدخل عليه وقال: ما أنت وحبس هذه الجيفة، أما علمت أن في حبسها عار الأبد، فقبرها وحزن عليها حزناً شديداً.

[قصة صاحب الخورنق]

  وإنْ ذكرت صاحب الخَوَرنق⁣(⁣٣) ففي أمره عجب، وذلك أنَّه كان من الملوك الأولين الْمتَّسِعي الأحوال، فأطلَّ ذات يوم رأس الخورنق فمدَّ بصره في ناحية المغرب حتى انقطع في البساتين والأنهار وأنواع الثمار، فقال: لمن هذا الذي أرى؟! فقالوا: لك؛ أبيْتَ اللَّعْن، فالتفتَ إلى ناحية المشرق فمدَّ بصره حتى انقطع في الخيل والإبل والبقر والغنم وسائر أنواع الحيوان، فقال: لمن هذا؟!


= سنة ١٢٦ هـ، وكان مهملا لأمره، قليل العناية بأطرافه، وكان صاحب مَلَاهٍ وقيانٍ وإظهارٍ للقتل والجور، وتشاغلٍ عن أمور الناس، وشربٍ ومجونٍ، فبلغ من مجونه أنه أراد أن يبني على الكعبة بيتاً يجلس فيه للهو، ولمزيد من أخباره: انظر تاريخ اليعقوبي (٢/ ٣٣٣) ومروج الذهب (٣/ ٢١٣) والشافي ط ٢ (ج ١/ ٥٠٠).

(١) الكَثْكَثُ، كجَعْفَر وزِبْرِجٍ: التُّرابُ، وفُتاتُ الحِجَارَةِ. (القاموس المحيط: ١٧٤).

(٢) أي تتحسن أمامه، قال في لسان العرب (٢/ ٦٠١): المِلْحُ: الحُسْنُ مِنَ المَلاحة. وَقَدْ مَلُحَ يَمْلُحُ مُلُوحةً ومَلاحةً ومِلْحاً أَي حَسُنَ، فَهُوَ مَليح ومُلاحٌ ومُلَّاح. والْمُلَّاحُ أَمْلَحُ مِنَ المَليح، ا. هـ.

(٣) الْخَوَرْنَقُ: اسْمُ قَصْرٍ كان في العراق، بَنَاهُ النُّعمان الأكْبرُ الذِّي يُقالُ لَهُ الْأَعْوَر، وهو الذي لَبِسَ المُسُوحَ فَسارَ فِي الْأَرْضِ، ذَكَرَه الجوهري، تمت، هامش (أ) (انظر الصحاح للجوهري ٤/ ١٤٦٨).