حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[قصة صاحب الخورنق]

صفحة 139 - الجزء 1

  قوله #: فَإِنَّكُمْ إِنْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي ضِيقٍ وَسَّعَهُ عَلَيْكُمْ فَرَضِيتُمْ بِهِ فَأُجِرْتُمْ، وَإِنْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي غِنًى بَغَّضَهُ إِلَيْكُمْ فُجُدتُّمْ بِهِ فَأُثِبْتُمْ، فَإِنَّ الْمَنَايَا قَاطِعَاتُ الْآمَالِ، وَاللَّيَالِي مُدْنِيَاتُ الْآجَالِ.

  الضِيقُ نقيض السَّعة وهما معروفان. والرضى نقيض الغضب. والأجر عندهم ما يقع في مقابلة العمل، وقد قال سبحانه حاكياً عن موسى #: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ٧٧}⁣[الكهف] والغِنَى نقيضُ الفقر. والبُغضُ نقيض المحبة. والجودُ نقيض البخل، والثوابُ ما يقع من النفع في مقابلة العمل، أُخذ من ثاب يثوب أي رجع يرجع، فلما رجع العمل على صاحبه بالنفع العظيم سُمِّي ثواباً لأجل ذلك.

  المَعْنَى: لما كان خير الدنيا وشرها في الضيق والسعة اللَّذَين بلانا الحكيم سبحانه بهما في قوله ø: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}⁣[الأنبياء: ٣٥] فالضيق يقع في الامتحانات والبلايا من الأمراض والأسقام والعلل ومحن التكليف كالجهاد والخوف والفقر إلى غير ذلك، والسَّعة تقع في الغنى والرفاهية والأرزاق والمواد والمنافع، وكأنَّ الموت يأتي على ذلك فيرفع مشقة المكروه إمَّا إلى ما هو أشدّ منه من العذاب الأليم والخطب الجسيم، وإمَّا إلى ما ينسيه ويصغره من الثواب العظيم والملك العقيم، فمن فكر في نزول الموت وهو في ضيق بأحد الأمور التي قدَّمنا وسَّعَهُ عليه بسرعة الزوال ووَشْكِ الارتحال، وعلم أن المنقطعات من المضار في حكم المعدومات عند أهل التحقيق، فلم يرفع بها رأساً، واستصغر خطرها ورضي بها؛ فيؤْجَر عند ذلك أجراً بغير حساب، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ١٠}⁣[الزمر] وإنْ ذَكَرَ الموتَ وهو في غنًى بكثرة مالٍ وسعة حالٍ بغَّضَ ذلك الغِنى إليه بأحد أمرين لابد من وقوعهما، إمَّا بذكر فراق الأهل والمال، ووحشة الْمَقْدَم وهَوْل المآل، وإمَّا باجتياح ذلك الأهل والمال وانتزاعه منه؛ فيبقى لذلك كئيباً حزيناً كأنه ما غَنِيَ ساعة واحدة بأهلٍ ولا مال، فكأنْ لم يكن الأهل، وكأن لم يكن المال، فحينئذٍ يفرح العاقل المتوسِّم بتقديم الأهل والمال، وتخفيف باهظ الأثقال، من دار البوار إلى