حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[قصة صاحب الخورنق]

صفحة 140 - الجزء 1

  دار القرار، وذلك أبلغ الجود - أي السماحة - لله سبحانه وفيه⁣(⁣١) بالأهل والمال، وعلى ذلك تقع المكافأة بمحاريب النُّضَار⁣(⁣٢)، وحدائق الأشجار، وكواثر الأنهار، والعُرُب الأبكار، إلى غير ذلك مما وعد به العزيز الغفار، ممَّا لا يُنْتَهى له إلى حدّ، ويُشَارُ فيه إلى مقدار، وقد نبَّهَ # على أحد الْمَعْنَيين اللَّذَين ذكرناهما بقوله: «فِإِنَّ الْمَنَايَا قَاطِعَاتُ الْآمَالِ، وَاللَّيَالِي مُدْنِيَاتُ الْآجَالِ» المنايا جمع منيَّة، والمنيَّة هي فراق الروح للجسد بأيِّ وجه كان، قال بعض من يُوثَقُ بلسانه:

  دَعَتْكَ أَمِيرَ المؤْمِنينَ مَنيَّةٌ ... تَكْونُ بمِرْصَادِ الفَتَى حَيْثُ يَمَّمَا

  وقال الحريري وحقُّه في معرفة اللسان لا يُجهل:

  فالْمَنايا ولَا الدَّنايا وَخَيْرٌ ... مِنْ رُكوبِ الْخَنا رُكُوبُ الْجِنازَة

  والقطعُ نقيض الوصل، والآمال جمع أمل وهو ما يُرجا وصولُه من الخير في المستقبل، وأصلُ الأمل القصد، فلما كان الخير المرجوُّ يُقْصَدُ إليه سُمِّي أملاً، والليالي زوجات الأيام، وأولادُهما المصائب والأحداث، والمدنياتُ هي المقرِّبات، تقول: أدنى يدني، كما تقول: قرَّب يُقَرِّب، والآجالُ هاهنا هي الأوقات لفراق الأرواح للأجساد، وفي العموم جميع أوقات الأمور المتوقَّعات.

  والمَعْنَى: أنَّه # نبَّهَ على ذكر المنايا وأنَّهُنَّ يقطعن الأملَ ويُدْنينَ الأجلَ، وذلك ظاهرٌ، كم من أمل مقطوع قطعته المنايا، وأجل بعيد أدنته الليالي، فصار الأمل بعيداً قاصياً، والأجل قريباً دانياً، فأوشِكْ بموصولٍ عضَّته شِفارُ المنيَّة أن ينقطع، وبعيدٍ جُعلت الليالي له مطيَّةً أن يصل، فالحازم - والحال هذه - من جعلَ الأملَ خلفَه، والأجلَ أمامه، فحاذر لزامه، وأجال في مكاسب الخير سهامه، ففاز بالسلامة، ونجا من الحسرة والندامة.


(١) أي لله وفي الله.

(٢) ذَهَبٌ نُضَارٌ أيْ خالص، وقَدَحٌ نُضَارٌ، وقَدَحُ نُضَارٍ، بالنعت والإضافة، أي أُخِذَ من أَثْلٍ وَرْسِيِّ اللَّون، تمت ضياء، هامش (أ).