[قصة صاحب الخورنق]
  قوله #: وَإِنَّ الْمَرْءَ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، يَوْمٌ قَدْ مَضَى أُحْصِيَ فِيه عَمَلُهُ فَخُتِمَ عَلَيْهِ، وَيَوْمٌ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ.
  المرءُ موضوعٌ في أصل اللُّغة للذَّكر، والمرأة للأنثى، والألف واللام للجنس، وهما عندنا يفيدان العموم والاستغراق، وخُصَّ الذكور هاهنا لأنَّ الإناث في حُكْم التابع وإن كان المراد الجميع، والأيامُ ثلاثة: يومٌ نحن فيه، ويومٌ خلفنا، ويومٌ أمامنا، فيومنا الذي نحن فيه بين يومين؛ الأمس ماضٍ ذاهبٌ، والغد معدوم، فبذهاب الماضي أحصي فيه العمل، وبعدم الباقي لم يمْدُد العاقل إليه الأمل.
  والإحصاءُ والحصُّ والاستقصاءُ معناها واحدٌ وهو استيعاب الأمرِ حفظاً وتدبيراً، والمراد به هاهنا الحفظ، وقد قال تعالى حاكياً عن أهل النار نعوذ بالله تعالى من مثل حالهم: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف].
  والختم: هو العلامة في الأصل، فلما كان إلصاق الكتاب بالشمع أو شِبْهِهِ عَلَمًا للمنع من فَضِّهِ وقراءَتِهِ قيل فيه مختومٌ، وعلى ذلك يحمل قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ}[يس: ٦٥] معناه والله أعلم تُلْصَقُ شِفاهُهم بعضُها ببعضٍ فلا يستطيعون الكلام في تلك الحال.
  ومعنى الختم في هذا الخبر أن يفصل بين عملِ كلِّ يوم وليل، وليل ويوم بعلامات حتى يقرر على عمل كل يوم وعمل كل ليلة على حدة، وهذا فزع عظيم، وخص الأيامَ بالذكر وإن كانت الليالي من أوقات التكليف، وقد تقع فيها الأعمال، لأنَّ أكثر أعمال الخير والشر تقع في الأيام دون الليالي.
  وَيَوْمٌ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ.
  الباقي نقيضُ الماضي، و (لعلَّ) من ألفاظ الترجِّي، والْمُتَرجى لا يُقطَع بوصوله. والوصولُ معروف وهو بلوغ الأمر المترجى.