[قصة صاحب الخورنق]
  فَالمَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # نبَّهَ على تعجيل فعلِ الخير، وتجديد التوبة، إذ هي أصلُ كلِّ خير، وفقدها سببُ كلِّ شر، لأنَّ يومنا الماضي قد ختم علينا عملنا فيه، ويومنا الباقي لسنا على يقين من البلوغ إليه، فالواجب الفزع في وقتنا هذا الذي نحن فيه، وليس في أيدينا على الحقيقة سواه لإبطال ما تقدم في يومنا الماضي بالتوبة، والاستدراك وترك التسويف للعمل في يومنا الآتي الذي يجوز أن يخترمنا دونه الحمام، ويهجم علينا الهلاك، فنطمع في الفكاك ولات حين فكاك، وكيف وقد خبطتنا - إلا أن يرحمنا ربنا - الْحِبالة، فاستحكمتْ علينا أناشيط(١) الشباك، فيا أيها المغرور - وكلنا ذلك المغرور إلا أن تداركنا رحمة من ربنا - ما حملك على الغفلة وأنت على غير يقين من المهلة.
  قوله #: إِنَّ الْعَبْدَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ وَحُلُولِ رَمْسِهِ.
  العبدُ قد تقدم الكلام فيه، وهو المذلل لربِّه بالعجز والحدوث. والخروج نقيض الدخول. والنفسُ هاهنا الروح، قال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}[الأنعام: ٩٣] المراد أرواحكم والله أعلم، وهي تفيد في الأصل أشياء مختلفة، منها ذات الإنسان كما قال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}[النحل: ١١١] وقوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ٢١}[ق] سائقٌ يسوقها لحسابها، وشاهدٌ يشهد عليها بعملها، ومنها الدم كما قال شاعرهم:
  تَسِيلُ على حَدِّ السيوفِ نُفُوسُنا ... ولَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ السُّيوفِ تَسِيلُ
  ومنه قول أهل الشرع: ما لا نفسَ له سائلةٌ، يريد: ما لا دمَ له سائل، والخروجُ نقيض الدخول. والحلولُ نقيض الرحيل وهو مأخوذ من حلِّ عقد الرِّحال عند النزول، فسُمي النازل حالًّا لَمَّا كَثُر ذلك وإن لم يحل عُقْدة رَحْلٍ أصلًا، قال أعشى بكر:
  بِهِ تُنْقَضُ الْأحْلَاسُ في كلِّ مَنْزلٍ ... وَتُعْقَدُ أطْرَافُ الْحِبَالِ وَتُطْلَقُ
(١) جمع أُنْشُوطَة، كأُنْبُوبَة، وهي عُقْدَةٌ يَسْهُلُ حَلُّهَا كَعِقْدَةِ التِّكَّةِ، تمت، هامش (أ) (القاموس المحيط ٦٩٠).