[قصة صاحب الخورنق]
  والرَّمْسُ هو القبرُ، وسُمي رَمْساً لأنَّ الميت يُرمَسُ فيه، بمعنى يُغَيَّبُ ويُوارى كما يُرْمس الإنسان في الماء، وهو محله إلى أن يصيح به صائح البعث، فيرحل منه إلى موقفٍ؛ إمَّا آمناً مسروراً، وإما خائفاً مثبوراً.
  قوله #: يَرَى جَزَاءَ مَا أَسْلَفَ وَقِلَّةَ غِنَى مَا خَلَّفَ.
  الرؤيةُ والإدراكُ والمشاهدةُ معناها واحدٌ. والجزاءُ في أصل اللغة هو العِوَضُ، والمراد به هاهنا الثواب؛ لأنَّه جعله في مقابلة ما أسلف العبد من الإنفاق، وقدَّم بين يديه من الأرفاق، لوقت الحاجة والإملاق، عند التفاف الساق بالساق، وعدم الطبيب والرَّاق، فكم من فائز قبل حلول التهويز(١)، ومُغْتَرٍّ بالتمنِّي والتجويز.
  ومعنى قوله #: يَرَى جَزَاءَ مَا أَسْلَفَ، متعلق بقوله: عند حُلُولِ رَمْسِهِ؛ يرى ذلك ويشاهده، و (عند) اسم الحال و (قبل) اسم الماضي و (بعد) اسم المستقبل، وهذا دليلٌ واضحٌ على عذاب القبر، فلا وجه لإنكار ذلك إلَّا بمخالفة الدليل، وتَنَكُّبِ السبيل، وقد روينا عن النبي ÷ في حديثٍ فيه بعض الطول أن الميت يُعاد إليه روحُه، ويقعد في قبره، ويبعث الله تعالى إليه ملكين صفتهما كذا وكذا هولًا عظيماً، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تعمل؟ فإن فارق الدنيا مؤمناً قال: ربي الله، وديني الإسلام، وكنتُ أعبد الله تعالى لا أشرك به شيئاً، فيقولان أحسنت يا ولي الله، ثم يفتحان له باباً إلى النار فيَصدُّ عنها، فيقولان لو أتيت على غير ما أتيت لكان إلى هذه مصيرُك، ثم يفتحان له باباً إلى الجنة فيَهشُّ إليها، فيقولان: أما إذا أتيت على ما أتيت فإلى هذه مصيرُك، ثم يقولان له: نَمْ نومة العروس غير المؤرَّق، قال #: فوالذي نفس محمد بيده إنَّه ليصل إلى قلبه فرحةً لا ترتد أبداً، وإن فارق الدنيا فاسقاً قالا له مثل ما تقدم، فيقول: لا أدري، فيقولان: لا دريت يا عدو الله ولا تليت، ثم يضربانه ضربة تتطايرُ شرراً في قبره، ثم يعيده الله تعالى ويفتحان له باباً إلى الجنة فيهش إليها، فيضربانه ويقولان: أمَا لو أتيت على غير ما أتيت لكان إلى هذه مصيرُك، ثم يفتحان له باباً إلى النار فيَصُدُّ عنها،
(١) التَّهْوِيزُ: الْمَوْتُ، قال في القاموس المحيط (٥٢٩): هوَّزَ تَهْويزاً: ماتَ.