[من أقوال أمير المؤمنين # في الرزق]
  إذا يَقْضِي لَكَ الرَّحْمَنُ رِزْقاً ... يَعُدُّ لِرِزْقِهِ الْمَقْضِيِّ بَابا
  وإنْ يحْرِمْكَ لَا تَسْطِعْ بِحَوْلٍ ... وَلَا رَأْيِ الرِّجَالِ لَهُ اكْتِسَابا
  فَأَقْصِرْ في خُطَاكَ فَلَسْتَ تَعْدُو ... بِحِيلَتِكَ الْقَضَاءَ وَلَا الْكِتَابا
  وهذا تصريح بما ذهبنا إليه في القسمة، وأنها من الله تعالى، وأنه عادلٌ في المفاضلة فيها، وأنَّ حِرْصَ الحريص لا يُغني عنه شيئاً.
  يقالُ عدا الأمرَ إذا تجاوزه، وحقيقة الكتاب لغة أن يكتب السلطانُ لكلِّ رجلٍ قِطّاً(١) بما يعطيه من رزقه، فلمَّا قَسَّط سبحانه لكلِّ إنسانٍ، بل لكلِّ دآبةٍ، ما يتعلق بإصلاحها من رزقه السابغ، ومَنِّهِ البالغ، وقطَّطَ ذلك في اللوح المحفوظ؛ أخبر بذلك سبحانه على لسان نبيه ÷ خبراً صادقاً، مُؤذناً بأن الرزقَ قد فُرغ منه، وأنَّ أحداً لا يتجاوز المكتوب له في الذكر الحكيم.
  والإجمالُ نقيض الإلحاف، وهو التخفيف في السؤال، والميل إلى التعريض في المقال، وترك الكدِّ الذي يؤدِّي إلى ترك شيءٍ من المفروضات، أو نبذ شيءٍ من المشروعات. والطلبُ معروف وهو البحث عن الشيء المراد والتعرض له، ومعناه هاهنا عائد إلى الرزق لأنه المعهود.
  قوله #: وَإِنَّ الْعُمْرَ مَحْدُودٌ، لَنْ يَتَجَاوَزَ أَحَدٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، فَبَادِرُوا قَبْلَ نَفَادِ الأَجَلِ.
  الْعُمْرُ مُدَّةُ حياة الإنسان، وقد يكون مطلقاً، وقد يكون مشروطاً. والمحدود: الذي يُضرب له أوقاتٌ معلومة يمنع من تجاوزها، يقال: حدَّهُ، إذا منعه، وأصلُ الحَدِّ المنع، ومن ذلك تسميتهم البوابَ حدَّاداً قال الفرزدق:
  يَقولُ لِيَ الْحَدَّادُ وَهوَ يَقودُني ... إِلى السِّجْنِ: لَا تَجزَعْ فَما بِكَ مِن بَأس
  و (لَنْ) إذا أطلق أفاد نفي الأبد. والتجاوز: هو تعدي الحدود المضروبة. وأَحَدٌ تحقيق واحد، فهو أبلغ منه في الإفراد. والتقديرُ هو إيقاع الشيء مرتَّباً ترتيباً يُطابق الحِكمة. ومعنى المبادرة
(١) القِطُّ: النَّصِيبُ، وأَصله الصَّحِيفَةُ للإِنسان بِصِلَةٍ يُوصَلُ بِهَا، قَالَ: وأَصل القِطّ مِنْ قطَطْتُ، ا. هـ. (لسان ٧/ ٣٨٢).