[من أقوال أمير المؤمنين # في الرزق]
  والمسارعة واحدٌ. وقبلُ نقيضُ بعد. والنفاد: هو التقضِّي والزَّوال. والأجلُ: هو الوقت المضروب نهايةً للعمر.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبر بأنَّ العُمرَ محدودٌ، حدَّده مالكه على وجوهٍ عَلِمَ حُسنها من تطويل وتقصير على قدر مقدور، وأنَّ أحداً لا يمكنه تجاوز ما قُدِّرَ له منها، وعلينا له حقوق مؤقتة، ولحياتنا آجال مضروبة، فإنْ ضيعنا ما فرض علينا في أعمارنا التي وهبها لنا لم نتمكن من الزيادة عليها، ومجاوزة آجالنا لاستدراك ما فاتنا، وضاع علينا من أعمالنا بتسويفنا وآمالنا، وكيف يسوغ ذلك لنا والأعمار محدودة، والآجال مضروبة، وتجاوزها مستحيل، وليس إلى ردِّ القضاء سبيل، فهل ترى للغفلة وجهاً! أو للتقصير سبباً! فالتشمير شأن أهل التدبير.
  وقد روي عن أمير المؤمنين # أنَّه قال في كتاب نهج البلاغة في الآجال: (وَقَسَّمَ الْآجَالَ فَطَوَّلَهَا وَقَصَّرَهَا، وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا، وَجَعَل الْمَوتَ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا، وَقَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا(١)) صرَّح # بأنَّ تطويل الآجال وتقصيرها، وتقديمها وتأخيرها إلى الله سبحانه دون عباده، ولا يمكنهم تطويل ما قصَّرَ، ولا تقصير ما طوَّل، ولا تأخير ما قدَّم، ولا تقديم ما أخَّر.
  قوله #: وَالْأَعْمَالُ مَحْصِيَّة، هكذا سمعناه، ووجهه مُحْصَاةٌ كما ذكره السيد الشريف - لَنْ يُهْمَلَ مِنْهَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ، فَأكْثِرُوا مِنْ صَالِحِ الْعَمَلِ.
  المراد بالأعمال هاهنا أعمالُ العباد، وهي أعمال الجوارح والقلوب التي يحصيها عليهم علَّامُ الغيوب، وقد تقدَّم معنى الإحصاء وهو تعميمها بالكتابة والحفظ. والإهمالُ أصْله في الإبل تُتْرَكُ سدى، لا تُرْعَى. والصغيرة: ما يكون عقاب صاحبها في كل وقتٍ أقلَّ من ثوابه في كلِّ وقتٍ، وأعداد كبائر المعاصي كثيرة لا ينحصر أعيانها، ولا نعلم من الطاعات كبيرة إلا التوبة، وباقيها مع الذنوب في حكم الصغائر، فإذا تفكرتَ في هذا أكسبك خوفاً شديداً.
(١) خَالِجاً: جاذباً ومُنْتَزِعاً. والْأَشْطانُ: الْحِبالُ، ومفردها: شَطَنٌ. وَالْمَرَائِرُ: الحِبالُ الْمَفْتُولَةُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طاقٍ، واحدُها: مَرِيرٌ ومَرِيرَةٌ. والْأَقْرَانُ جَمْعُ قَرَنٍ: وَهو الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ الْبَعِيرانِ أو الْأَسِيرَانِ، وَيأْتِي بِمَعْنَى الْبَعِيرُ الْمَقْرُونُ بِآخَرَ، ا. هـ. قاموس، وهي أيضاً من الخطبة المعروفة بخطبة الأشباح.