حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[من أقوال أمير المؤمنين # في الرزق]

صفحة 150 - الجزء 1

  والإكثار: نقيض الإقلال. وصالحُ العمل: ما سَلِم في باطنه وظاهره من الفساد، وذلك لا يكون إلا فيما تجرَّدت النية فيه لله تعالى، وكان خالصاً لوجهه، لا يشوبه شيءٌ من الرياء والسمعة والقصود الفاسدة.

  والمَعْنَى: إذا كانت هذه القِصة وكانت الأعمال مُحصاة علينا بقول النبي ÷ هذا، وبقول الله سبحانه: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ٥٣}⁣[القمر] أي مكتوب محفوظ، وإنَّمَا أمر # بإكثار الصالح من العمل؛ لأنَّ الصغير والكبير غير مهمل ولا ساقط الحكم رأساً، وعند كثرة العمل الصالح يصير العمل الطالح مصروفَ الحكم بحكم الزيادة، وقد يكون العمل صغيراً باعتبارٍ، وقد يكون كبيراً باعتبارٍ، بسبب اختلاف أحوال العاملين في الأعمال، وفي هذا دليلٌ على الموازنة، وأنَّ الصغير من أعمال الخير نافع، والصغير من أعمال الشرِّ ضارٌّ، فليشتغل قلب المكلف العاقل بمراعاة الأفعال والتحفظ في الأعمال.

  واعلم أنَّ التوبة أجلُّ أعمال الخير، وأكثرها نفعاً، وهي مأثورة عن الأنبياء $ والأئمة الصالحين ¤، وهي تقع عن الذنب المعلوم الْمُعيَّنِ مُعيَّنةً، وعن الذنب المجهول على الجملة مُجْمَلةً، وإنما كانت حالها عظيمة لأنَّ بها يتحقق تعظيم المخلوق للخالق سبحانه وإجلاله؛ لأنها تتضمن تحرِّي رضاه، والتنصل من سخطه، فمن لزمها في أكثر الأوقات فقد وُفِّقَ وفاز، وعلى ذلك يحمل ما رويناه عن النبي ÷ أنه قال: «يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ أَرْبَعِينَ ذَنْباً قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْجَاهِلِ ذَنْباً وَاحِداً» لأنَّ العالم يعرف أحكام أفعاله، ويعرف ما في التوبة من النفع فلا يغفل عنها، والجاهلُ ربما جهل ذلك، وأقلُّ ما يوقعها الحازم المحترس في أول يومه لما مضى في ليله وفي أول ليله لما مضى في يومه، فلا يُمْسِي إلا تائباً ولا يُصْبح إلا تائباً، فحينئذ تنمو الأفعال وتتناهى في الزيادة والرجحان.