حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الزهد]

صفحة 152 - الجزء 1

  موفَّق فاز بقِدْح القامِر وجَدِّ⁣(⁣١) الواتر، فمن أنهته القناعة إلى السعة فاز، ومن أنهته الرغبة إلى الضيق عطب، والاكتفاء بالقليل - الذي هو الإقتصاد - فيه بلاغ للمقتصدين إلى مراتب الخير في الدنيا ودرج الثواب في الآخرة.

  والإقتصاد هو أصلٌ قويٌّ من أصول السلامة، إذ تتعلق به النجاة من العَطَب، والتخلص من الأَشَب، لأن المتوسعين في الدنيا ربما أفضت بهم السعة إلى ضيق الحساب، وورطة العقاب، وما تطلب أيها المغرور بعد البلاغ، والنجاة في دينك من الإبتاغ⁣(⁣٢) إن كنت من المتفكرين.

[الزهد]

  فأمَّا الزهد فهو تاج الإسلام وعنوان السلامة، وبه ينجو العباد من الحسرة والندامة، والمحروم من حُرِمه، والمرزوق من رُزقه، وهو الذي اختصت به الأنبياء $، وتفاضل فيه الصالحون ¤، وجُعل شرطاً في الإمامة التي هي خلافة النبوة، فانظر إلى خطره ما أكبره، وإنما كان راحة كما ذُكر في الخبر الشريف؛ لأنَّ الزاهد بالزهد غنيٌ؛ فهو في راحة الغنى لابثٌ طول عمره، والراغب بالرغبة محتاج إلى ما رغب فيه؛ فهو في ذُلِّ الفقر وضيقه سادِكٌ⁣(⁣٣) طول دهره، وفي ذلك روينا عن البراء بن عازب أن رسول الله ÷ قال: «إنَّ لِلَّهِ خَوَاصّاً يُسْكِنُهُمُ الرَّفِيعَ مِنَ الْجِنَانِ، كَانُوا أَعْقَلَ النَّاسِ» قال: قلنا يا رسول الله وكيف كانوا أعقل الناس؟ قال: «كانَتْ نِهْمَتُهُمُ الْمُسابَقَةَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى مَا يُرْضِيهِ، وَزَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَفُضُولِهَا وَرِيَاشِهَا وَنَعِيمِهَا، وَهَانَتْ عَلَيْهِمْ فَصَبَرُوا قَلِيلاً وَاسْتَرَاحُوا طَوِيلاً».


(١) الجَدُّ: الحظُّ والسَّعادة والغِنَى. (النهاية: ١/ ٢٤٤)، والواتر: لعله الموتر قوسه.

(٢) الْإِبْتاغُ: الْهَلاكُ، قال في القاموس: باغَ يَبيغُ: هَلَكَ (القاموس المحيط: ٧٨٠)

(٣) سَادِكٌ: أي مُلازِمٌ، قال في القاموس: سَدِكَ به، كفرِحَ، سَدْكاً وسَدَكاً: لَزِمَهُ. (القاموس المحيط: ٩٤٢)

والسَّدِكُ، ككتِفٍ: المُولَعُ بالشيءِ.