حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثالث عشر

صفحة 158 - الجزء 1

  عُرْوَتهم الوثيقةِ ومِن الْمَعْلوم أنها لا تَنْفَصِم⁣(⁣١)، فإذا دهمته الْمُعْضِلاتُ جعَل يَلُوذُ بِطَود⁣(⁣٢) عزَّتهم ليعتصم، يُنْكِرُ فضلَهم بزخاريفه، ويَنْقُصُ حقَّهُم بتحاريفه، واللَّهُ مُتِمٌّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون، وَنَفَرَ النَّافِرُون.

  المَعْنَى: حذَّرَ # من الإقامة على الشبهات بعد إزاحة العلة والتمكين لعباده من جلاء الشبهة باليقين، ومن الجنوح إلى الشهوة ليُكْتَب عازفُ نفسه عنها في زمرة المتَّقين.

  قوله #: حَتَّى أَتَتْهُمْ رُسُلُ رَبِّهِمْ، فَلَا مَا كَانُوا أَمَّلُوا أَدْرَكُوا، وَلَا إِلَى مَا فَاتَهُمْ رَجَعُوا.

  الآتي هو الواصلُ. والغادي هو الذاهب. رُسُلُ الله تعالى هاهنا هم ملائكته الغضاب المقرَّبُون الناصحون المجربون، الذين جرى هلاكُ الأمم العاتية على أيديهم سلام الله عليهم، فتارةً بالصياح فإذا هم هامدون، وتارةً باقتلاع المدائن من أساسها فإذا هم خامدون، وتارةً بالرَّمْي بحجارة من سجيل، وتارةً بالضرب الرعابيل⁣(⁣٣) كأهل القليب⁣(⁣٤) المتكبرين العاتين المتجبرين، وتارةً بنزع الأرواح عن الأجساد بكلاليب حداد شداد، فهؤلاء رُسُلُ ربنا المزعِجون، وكم لهم من صريع على وثير المهاد، وشهير الوساد، فلم يوانسه أولاده وأوِدَّاده، ولا دفع عنه عبيده وأجناده، دخلت رسل الله عليه بغير فسح، وخرجوا بحميمته⁣(⁣٥) من غير إذن، فيا لها من روعة لم تُسَكِّنْها النَّدامة، وحريبة لم تَعْقُبْها السلامة.

  وقد تقدَّم الكلامُ في الأمل. والإدراكُ هو الوصولُ واللَّحَاقُ. والفائتُ هاهنا هو الْمُخَلَّفُ المتروك، يقال فاته الأمرُ إذا سَبِقَه، وأدركَه إذا لَحِقه. ومعنى الرَّجعة والعودة واحدٌ، وكيف يرجع إلى ماله ويفوز بغرور أمانيه وآماله مَنْ لَحَدَهُ اللَّاحِدُ، وأسْلَمَه الولد والوالد، والخِلُّ الموادد، والقرين المساعد.


(١) الفَصْم: أَنْ يَنْصَدع الشَّيْءُ فَلَا يَبِينُ، تَقُول: فَصَمْتُه فانْفَصَمَ. (النهاية ٣/ ٤٥٢) والعُرْوة سبق تفسيرها.

(٢) يَلوذ بِهِ: يَلْجَأُ إِليه ويَعُوذُ بِهِ، وتصريفها: لَاذَ يَلُوذُ لَوْذاً ولِواذاً ولَواذاً ولُواذاً ولِياذاً. ا. هـ. والطَّوْدُ: الْجَبَلُ العظيمُ، وجَمْعُهُ: أَطْوادٌ، ا. هـ. قاموس.

(٣) الرُّعْبُولَة وَاحِدَةُ الرَّعابيلِ، وَهِيَ الخِرَقُ الْمُتَمَزِّقَة، وَرَعْبَلَ اللَّحْمَ قَطَّعَهُ، قال:

تَرَى الْمُلُوكَ حَوْلَهُ مُرَعْبَلَه ... [يقتُلُ ذَا الذَّنْبِ ومَن لا ذَنْبَ لَهُ]

وَثَوْبٌ مُرَعْبَلٌ أي مُمَزَّقٌ، تمت ضياء، هامش (أ).

(٤) أهْلُ القَلِيبِ هم قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ في بَدْرٍ، حَيْثُ قُتِلَ سَبْعُونَ مِنْ صَنادِيدِ وَكُبَارَاتِ قُرَيشٍ.

(٥) أيْ نَفْسه، (ذكره فوقها في الأصل).