حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثالث عشر

صفحة 160 - الجزء 1

  قبيحة منكرة، شهد عليهم بها الكرامُ البررة، وسَطَّرها الكاتبون الطّهرَة، وقد كانوا يكتمون أكثرَها عن الأباعد والأقارب، والوزير والصاحب، والرقيب سبحانه - الذي لا تغيب عنه غائبة في الأرض ولا في السماء؛ لإحاطة علمه وقوة سلطانه - لهم مشاهد، وبها عليهم حاكم وشاهد، فحينئذٍ تحقَّقَتْ عليهم الندامة، وغمرتهم أهوال الطامَّة، وصار ما خلَّفُوا عليهم حسرة، وقد كان ذخيرة لهم ليوم العسرة، فانظر إلى عواقب التقديم ما أحمَدَها، وفوارط⁣(⁣١) الإنفاق ما أسعدها، فلا تَمِلْ إلى التخليف، ولا تغترَّ بالتسويف.

  قوله #: وَلَنْ يُغْنِي النَّدَمُ وَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ.

  الإغناء هو الكفاية، لا فرق بين قولك: أغناني، وبين قولك: كفاني وأحسبني إذا لم يفقد ما سواه مما يتعلق ببابه، وقد تقدم معنى الندم. والقلمُ: ما تقع به الكتابة وهو معروف، وقد قال تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ١}⁣[القلم] وجَفَافُ القلم إذا فرغ الكاتبُ من الكتابة، ولا تَجِفُّ كتابة أعمال ابن آدم إلا عند انقطاع تكليفه، وعند ذلك لا تغني عنه الندامة فتيلاً، ولا تشفي له غليلاً⁣(⁣٢).

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّه ÷ نبَّهَ ابن آدم على الاهتمام بأمر الآخرة، والتأهُّبِ لها قبل الوصول⁣(⁣٣) إليها، إذ الإنسان في تلك الحال لا يتمكن من إصلاح عملٍ فاسد، ولا رَدِّ سهمٍ صَارِد⁣(⁣٤)، فكيف إذا كَظَمَه هَوْلُ الْمَشاهد، وعدمُ المعين والْمُساعِد، يُعَلِّلُ نفسه بالندامة التي لا تنفعه، والحسرةِ التي لا تمنعه.


(١) الفوارِطُ: السَّوَابِقُ، والفارط: هو الْمُتَقَدِّمُ السابقُ، فَرَطَ يَفْرُط فُروطاً، (لسان العرب ٧/ ٣٦٦).

(٢) الفَتِيل: مَا يَكُونُ فِي شَقِّ النَّواة. وَقِيلَ: مَا يُفْتَل بَيْنَ الأصْبَعَين مِنَ الوَسخ. (النهاية: ٣/ ٤٠٩) والغَلِيلُ: العَطَشُ، أو شِدَّتُه، أو حَرارةُ الجَوْفِ، ا. هـ. (القاموس: ١٠٣٩).

(٣) في الأصل: قبل المصير.

(٤) صَرْدُ السَّهْمِ: نُفُوذُهُ، قال:

فما بُقْيَا عَلَيَّ ترَكْتُماني ... ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبال

تمت ضياء، هامش (أ) (انظر أساس البلاغة للزمخشري ١/ ٥٤٣).