حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الإنصاف]

صفحة 182 - الجزء 1

  وَلَدَهُ النَّضْرُ بنُ كِنانة دون بني مالك وغيرهم، والرِّحلة: ما قدمنا معناه من الارتحال، وهو شَدُّ الرَّحْل على الجمال، والشتاء فصل البرد، والصيف فصل الحر، وكانوا يرحلون في الشتاء إلى تهامة، وفي الصيف إلى الشام. والتأهُّبُ: جمع الأُهْبَة وهي: الزَّانَةُ والعُدَّة، وأحسبُ أن أصله من الإهاب الذي يَتركُ فيه الإنسانُ ما يحتاج إليه من آلة السَّفر.

  قوله #: أَلَا وَإِنَّ أَعْقَلَ النَّاسِ عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ فَأَطَاعَهُ، وَعَرَفَ عَدُوَّهُ فَعَصَاهُ.

  أعقل الناس أزيدهم وأوفاهم عقلاً. والعبد هو المملوك المذلل، أُخذ من قولهم طريق مُعبَّد أي مذلل، وأُخذ العقل من عِقَال الناقة لأنه الذي يمنعها مما يُكره وقوعه من قِبَلِها، فلما كان العقل يمنع مَنِ استعمله من مُواقعة مكروهات القبائح سُمِّي عقلاً، وأصل العقل الذي يجب أن يَشترك فيه جميع المكلفين عشرة علوم، وهي معروفة عند أهل الكلام، وموجودة في كتبهم، وتلحق بها زياداتٌ مكتسبةٌ واختصاصيَّةٌ من الله تعالى، منها العلم بكيفيَّة التأنيس مفصلاً، وكيفية التنفير، وما يزرع للإنسان الهيبة في قلوب الناس، وما يزرع المحبة، وما يزرع العداوة من الأقوال والأفعال والتروك، ومنها العلم بعواقب الأمور مما يُسْتَدلُّ عليه بشاهد الحال، ومجرى العادات، ومنها العلم بكيفيَّة التصرف في أنواع المكاسب على الوجه الذي يُؤدِّي إلى الزيادة دون النقصان، وجَلْبِ المنافع ودفع المضار.

  والمعرفة بالله تعالى هي العلم بالله، وهي أصلٌ لكل خير، وهي نقيض إنكاره تعالى والجهلِ به، والطاعةُ نقيض المعصية، وللإنسان عَدُوَّان أحدهما النفس، والثاني الشيطان، وسائر ما يُتَوَهَّمُ عَدُوّاً في حكم الجند لهما، والمبنى عليهما.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن أعقل الناس من استعمل عقله في نجاة نفسه وفَكَاك رقبته بمعرفة ربه، وعبادة خالقه، إذ العقل لا ينفع إلَّا بالاستعمال له، وقد روينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «قَسَّمَ اللهُ الْعَقْلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ، فَمَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ كَمُلَ عَقْلُهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ فَلَا عَقْلَ لَهُ: حُسْنُ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ، وَحُسْنُ الطَّاعَةِ لَهُ، وَحُسْنُ الصَّبْرِ عَلَى أَمْرِهِ جَلَّ وَعَزَّ» وقال ÷: «أفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ، وَأفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ».