حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[موعظة شافية كافية]

صفحة 185 - الجزء 1

  لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ٦٢}⁣[الأنعام] فقيل له: هذه دار إقامتك لم تصلحها، وسرعة نقلتك لم تَزَّوَّدْ لها، فما عذرك، فَسُجِّرَ في الجحيم، وصُبَّ فوق رأسه الحميم، وقيل له: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ٤٩}⁣[الدخان] وأُخْبِرَ بأنْ لا موت ولا فوت، كما روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده $ في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ}⁣[مريم: ٣٩] قال: يقال لأهل الجنة: خلودٌ لا موت فيها أبداً، ويا أهل النار خلودٌ لا موت فيها أبداً، وذلك قوله تعالى: {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} قال: قضي على أهل الجنة الخلود فيها، وقضي على أهل النار الخلود فيها.

  قوله #: أَلَا وَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ مَا صَحِبَهُ التَّقْوَى، وَخَيْرَ العَمَلِ مَا تَقَدَّمَتْهُ النِّيَّةُ، وَأَعْلَى النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ أَخْوَفُهُمْ مِنْهُ.

  خيرُ الزاد أفضله. والزاد ما يأخذه المسافر من المتاع في طريقه. وصَحِبَهُ بمعنى قارنه ولازمه. والتقوى هو الخوف لله تعالى، وليس خيرُ هاهنا يفيد أنَّ دونه من الزاد ما هو نافع؛ ولكن ما صحبه التقوى، فمعنى ذلك أنَّ الخير كلَّه مجموع فيما صحبه التقوى، وما لم يصحبه التقوى فلا خير فيه، وكذلك الكلام في العمل؛ لأنَّ ما لم تتقدمْه النية من الأعمال الصالحة فلا نفع فيه ولا بركة، والكلام فيه على نحو ما تقدم. وأعلى الناس معناه أرفعهم منزلة عنده تعالى. والمنزلة هي الحالة والْمَزيَّة.

  وأراد بقوله عند الله المقام الذي لا حكم فيه إلا لله وهي دار الآخرة، وأنه سبحانه ملك الدنيا والآخرة، ولكنه قد خلَّى في الدنيا، ومَكَّنَ وخَيَّرَ وبَيَّنَ؛ تعريضاً للثواب وتمكيناً من الفعل والترك ليصح معنى التكليف.

  والوجه الثاني في قوله: عند الله تعالى، يريد في علمه تعالى، كما يقول الحاكم: عندي أنَّ الأمر كذا وكذا، معناه في علمي ومقتضى أمري.

  وأخوفُهم منه معناه أخشاهم له، لأن الخوف والخشية معناهما واحدٌ، والمؤمن لا يزال خائفاً حتى يلقى الله سبحانه، وقد حكى الحكيم سبحانه ذلك عنهم في كتابه الكريم بقوله: